الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٨١
فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داود
____________________
لمذاقه قال * وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا * ألا ترى كيف عطف عليه البرد وهو النوم ويقال ما ذقت غماضا ونحوه من الابتلاء ما ابتلى الله به أهل أيلة من ترك الصيد مع إتيان الحيتان شرعا بل هو أشد منه وأصعب، وإنما عرف ذلك طالوت بإخبار من النبي وإن كان نبينا كما يروى عن بعضهم فبالوحي. وقرئ بنهر بالسكون. فإن قلت: مم استثنى قوله إلا من اغترف. قلت: من قوله فمن شرب منه فليس منى، والجملة الثانية في حكم المتأخرة إلا أنها قدمت للعناية كما قدم والصابئون في قوله - إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ومعناه: الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع، والدليل عليه قوله (فشربوا منه) أي فكرعوا فيه (إلا قليلا منهم) وقرئ غرفة بالفتح بمعنى المصدر وبالضم بمعنى المغروف. وقرأ أبي والأعمش إلا قليل بالرفع وهذا من ميلهم مع المعنى والاعراض عن اللفظ جانبا وهو باب جليل من علم العربية، فلما كان معنى فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كأنه قيل فلم يطيعوه إلا قليل منهم، ونحوه قول الفرزدق: لم يدع * من المال إلا مسحت أو مجلف * كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف، وقيل لم يبق مع طالوت إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا (والذين آمنوا) يعنى القليل (قال الذين يظنون) يعنى الخلص منهم الذين نصبوا بين أعينهم لقاء الله وأيقنوه، أو الذين تيقنوا أنهم يستشهدون عما قريب ويلقون الله والمؤمنون مختلفون في قوة اليقين ونصوع البصيرة، وقيل الضمير في قالوا لا طاقة لنا للكثير الذين انخزلوا، والذين يظنون هم القليل الذين ثبتوا معه كأنهم تقاولوا بذلك والنهر بينهما يظهر أولئك عذرهم في الانخزال ويرد عليهم هؤلاء ما يعتذرون به وروى أن الغرفة كانت تكفى الرجل لشربه وإداوته، والذين شربوا منه اسودت شفاههم وغلبهم العطش.
وجالوت جبار من العمالقة من أولاد عمليق بن عاد وكانت بيضته فيها ثلاثمائة رطل (وثبت أقدامنا) وهب لنا ما نثبت به في مداحض الحرب من قوة القلوب وإلقاء الرعب في قلب العدو ونحو ذلك من الأسباب. كان إيشي أبو داود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه، وكان داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم، فأوحى إلى أشمويل أن داود بن إيشي هو الذي يقتل جالوت، فطلبه من أبيه فجاء وقد مر في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها
(٣٨١)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)، القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»