الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٧٨
إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين
____________________
رجل واحد بأمر الله ومشيئته، وتلك ميتة خارجة عن العادة كأنهم أمروا بشئ فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقف كقوله تعالى - إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون - وهذا تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة، وأن الموت إذا لم يكن منه بد ولم ينفع منه مفر فأولى أن يكون في سبيل الله (لذو فضل على الناس) حيث يبصرهم ما يعتبرون به ويستبصرون كما بصر أولئك وكما بصركم باقتصاص خبرهم أو لذو فضل على الناس حيث أحيا أولئك ليعتبروا فيفوزوا، ولو شاء لتركهم موتى إلى يوم البعث، والدليل على أنه ساق هذه القصة بعثا على الجهاد ما أتبعه من الامر بالقتال في سبيل الله (واعلموا أن الله سميع) يسمع ما يقوله المتخلفون والسابقون (عليم) بما يضمرونه وهو من وراء الجزاء. إقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب به ثوابه. والقرض الحسن إما المجاهدة في نفسها وإما النفقة في سبيل الله (أضعافا كثيرة) قيل الواحد بسبعمائة. وعن السدى كثيرة لا يعلم كنهها إلا الله (والله يقبض ويبسط) يوسع على عباده ويقتر فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم لا يبدلكم الضيقة بالسعة (وإليه ترجعون) فيجازيكم على ما قدمتم (لنبي لهم) هو يوشع أو شمعون أو اشمويل (ابعث لنا ملكا) أنهض للقتال معنا أميرا نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وننتهى إلى أمره، طلبوا من نبيهم نحو ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأمير على الجيوش التي كان يجهزها ومن أمرهم بطاعته وامتثال أوامره. وروى أنه أمر الناس إذا سافروا أن يجعلوا أحدهم أميرا عليهم (نقاتل) قرئ بالنون والجزم على الجواب وبالنون والرفع على أنه حال:
أي ابعثه لنا مقدرين القتال أو استئناف كأنه قال لهم ما تصنعون بالملك؟ فقالوا نقاتل، وقرئ يقاتل بالياء والجزم على الجواب وبالرفع على أنه صفة لملكا وخبر عسيتم (أن لا تقاتلوا) والشرط فاصل بينهما والمعنى: هل قاربتم أن لا تقاتلوا، يعنى هل الامر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون، أراد أن يقول: عسيتم أن لا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون، وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه كقوله تعالى - هل أتى على الانسان - معناه التقرير. وقرئ عسيتم بكسر السين وهى ضعيفة (وما لنا أن لا نقاتل) وأي داع لنا إلى ترك القتال وأي غرض لنا فيه (وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) وذلك أن قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين (إلا قليلا منهم) قيل كان القليل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر (والله عليم بالظالمين) وعيد
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»