الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٨٠
وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده
____________________
من زبرجد أو ياقوت لها رأس كرأس الهر وذنب كذنبه وجناحان فتئن، فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه، فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وعن علي رضي الله عنه كان لها وجه كوجه الانسان وفيها ريح هفافة (وبقية) هي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشئ من التوراة وكان رفعه الله تعالى بعد موسى عليه السلام فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه، فكان ذلك آية لاصطفاء الله طالوت. وقيل كان مع موسى ومع أنبياء بني إسرائيل بعده يستفتحون، فلما غيرت بنو إسرائيل غلبهم عليه الكفار فكان في أرض جالوت فلما أراد الله أن يملك طالوت أصابهم ببلاء حتى هلكت خمس مدائن فقالوا هذا بسبب التابوت بين أظهرنا، فوضعوه على ثورين فساقهما الملائكة إلى طالوت. وقيل كان من خشب الشمشار مموها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. وقرأ أبي وزيد بن ثابت التابوه بالهاء وهي لغة الأنصار. فإن قلت: ما وزن التابوت؟ قلت: لا يخلو من أن يكون فعلوتا أو فاعولا فلا يكون فاعولا لقلة نحو سلس وقلق ولأنه تركيب غير معروف، فلا يجوز ترك المعروف إليه فهو إذا فعلوت من التوب وهو الرجوع لأنه ظرف توضع فيه الأشياء وتودعه فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته، وأما من قرأ بالهاء فهو فاعل عنده إلا فيمن جعل هاءه بدلا من التاء لاجتماعهما في الهمس وأنهما من حروف الزيادة ولذلك أبدلت من تاء التأنيث. وقرأ أبو السمال سكينة بفتح السين والتشديد وهو غريب، وقرئ يحمله بالياء. فإن قلت: من (آل موسى وآل هارون) قلت: الأنبياء من بني يعقوب بعدهما لان عمران هو ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب فكان أولاد يعقوب آلهما، ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهرون والآل مقحم لتفخيم شأنهما. فصل عن موضع كذا إذا انفصل عنه وجاوزه وأصله فصل نفسه ثم كثر محذوف المفعول حتى صار في حكم غير المتعدى كانفصل، وقيل فصل عن البلد فصولا، ويجوز أن يكون فصله فصلا وفصل فصولا كوقف وصد ونحوهما والمعنى انفصل عن بلده (بالجنود) روى أنه قال لقومه: لا يخرج معي رجل بنى بناء لم يفرغ منه ولا تاجر مشتغل بالتجارة ولا رجل متزوج بامرأة لم يبن عليها ولا أبتغي إلا الشاب النشيط الفارغ، فاجتمع إليه مما اختاره ثمانون ألفا وكان الوقت قيظا وسلكوا مفازة فسألوا أن يجرى لهم نهرا ف‍ (قال إن الله مبتليكم) بما افترحتموه من النهر (فمن شرب منه) فمن ابتدأ شربه من النهر بأن كرع فيه (فليس منى) فليس بمتصل بي ومتحد معي من قولهم فلان منى كأنه بعضه لاختلاطهما واتحادهما، ويجوز أن يراد فليس من جملتي وأشياعي (ومن لم يطعمه) ومن لم يذقه من طعم الشئ إذا ذاقه ومنه طعم الشئ
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»