الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٧٧
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم
____________________
الذين يتوفون وصية لأزواجهم، أو والذين يتوفون أهل وصية لأزواجهم، وفيمن قرأ بالنصب والذين يتوفون يوصون وصية كقولك: إنما أنت سير البريد، بإضمار تسير، أو وألزم الذين يتوفون وصية وتدل عليه قراءة عبد الله كتب عليكم الوصية لازواجكم متاعا إلى الحول مكان قوله (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) وقرأ أبى متاع لأزواجهم متاعا. وروى عنه فمتاع لأزواجهم ومتاعا نصب بالوصية إلا إذا أضمرت يوصون فإنه نصب بالفعل. وعلى قراءة أبى متاعا نصب بمتاع لأنه في معنى التمتيع كقولك : الحمد لله حمد الشاكرين، وأعجبني ضرب لك زيدا ضربا شديدا، و (غير إخراج) مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول أو بدل من متاعا أو حال من الأزواج: أي غير مخرجات. والمعنى: أن حق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا: أي ينفق عليهن من تركته ولا يخرجن من مساكنهن وكان ذلك في أول الاسلام، ثم نسخت المدة بقوله (أربعة أشهر وعشرا) وقيل نسخ ما زاد منه على هذا المقدار ونسخت النفقة بالإرث الذي هو الربع والثمن. واختلف في السكنى، فعند أبي حنيفة وأصحابه لا سكنى لهن (فيما فعلن في أنفسهن) من التزين والتعرض للخطاب (من معروف) مما ليس بمنكر شرعا. فإن قلت: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل كقوله تعالى - سيقول السفهاء - مع قوله - قد نرى تقلب وجهك في السماء - (وللمطلقات متاع) عم المطلقات بإيجاب المتعة لهن بعد ما أوجبها لواحدة منهن وهي المطلقة غير المدخول بها، وقال (حقا على المتقين) كما قال ثمة - حقا على المحسنين - وعن سعيد بن جبير وأبى العالية والزهري أنها واجبة لكل مطلقة، وقيل قد تناولت التمتيع الواجب والمستحب جميعا، وقيل المراد بالمتاع نفقة العدة (ألم تر) تقرير لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأخبار الأولين وتعجيب من شأنهم، ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع لان هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب.
وروى أن أهل داوردان قرية قبل واسط وقع فيهم الطاعون فخرجوا هاربين، فأماتهم الله ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفر من حكم الله وقضائه، وقيل مر عليهم حزقيل بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم فلوى شدقه وأصابعه تعجبا مما رأى، فأوحى إليهم ناد فيهم أن قوموا بإذن الله، فنادى فنظر إليهم قياما يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت. وقيل هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذرا من الموت، فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم (وهم ألوف) فيه دليل على الألوف الكثيرة. واختلف في ذلك فقيل عشرة وقيل ثلاثون وقيل سبعون. ومن بدع التفاسير ألوف متآلفون جمع آلف كقاعد وقعود. فإن قلت:
ما معنى قوله (فقال لهم الله موتوا) قلت: معناه فأماتهم، وإنما جئ به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة
(٣٧٧)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الوصية (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»