الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٣٤
بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون
____________________
قالت: إنما قال الله - إن ترك خيرا - وإن هذا الشئ يسير فاتركه لعيالك. وعن علي رضي الله عنه أن مولى له أراد أن يوصى وله سبعمائة فمنعه وقال: قال الله تعالى - إن ترك خيرا - والخير هو المال وليس لك مال. والوصية فاعل كتب وذكر فعلها للفاصل ولأنها بمعنى أن يوصى ولذلك ذكر الراجع في قوله - فمن بدله بعد ما سمعه والوصية للوارث كانت في بدء الإسلام فنسخت باية المواريث وبقوله عليه الصلاة والسلام (إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث) وبتلقي الأمة إياه بالقبول حتى لحق بالمتواتر وإن كان من الآحاد لانهم لا يتلقون بالقبول إلا الثبت الذي صحت روايته. وقيل لم تنسخ، والوارث يجمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين.
وقيل ما هي بمخالفة لاية المواريث ومعناها: كتب عليكم ما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى - يوصيكم الله في أولادكم - أو كتب على المحتضر أن يوصى للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم وأن لا ينقص من أنصبائهم (بالمعروف) بالعدل وهو أن لا يوصى للغنى ويدع الفقير ولا يتجاوز الثلث (حقا) مصدر مؤكد: أي حق ذلك حقا (فمن بدله) فمن غير الايصاء عن وجهه إن كان موافقا للشرع من الأوصياء والشهود (بعد ما سمعه) وتحققه (فإنما إثمه على الذين يبدلونه) فما إثم الايصاء المغير أو التبديل إلا على مبدليه دون غيرهم من الموصى والموصى له لأنهما بريان من الحيف (إن الله سميع عليم) وعيد للمبدل (فمن خاف) فمن توقع وعلم وهذا في كلامهم شائع يقولون: أخاف أن ترسل السماء، يريدون التوقع والظن الغالب الجاري مجرى العلم (جنفا) ميلا عن الحق بالخطأ في الوصية (أو إثما) أو تعمدا للحيف (فأصلح بينهم) بين الموصى لهم وهم الولدان والأقربون باجرائهم على طريق الشرع (فلا إثم عليه) حينئذ لان تبديله تبديل باطل إلى حق، ذكر من يبدل بالباطل ثم من يبدل بالحق ليعلم أن كل تبديل لا يؤثم (كما كتب على الذين من قبلكم) على الأنبياء والأمم من لدن ادم إلى عهدكم. قال علي رضي الله عنه: أو لهم ادم، يعنى أن الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم لم يفرضها عليكم وحدكم (لعلكم تتقون) بالمحافظة عليها وتعظيمها لأصالتها وقدمها، أو لعلكم تتقون المعاصي، لان الصائم أظلف لنفسه وأردع لها من مواقعة السوء. قال عليه الصلاة والسلام (فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء) أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين لأن الصوم شعارهم، وقيل معناه: أنه كصومهم في عدد الأيام، وهو شهر رمضان كتب على أهل الإنجيل فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده فجعلوه خمسين يوما. وقيل كان وقوعه في البرد الشديد والحر الشديد فشق عليهم في أسفارهم ومعايشهم فجعلوه بين الشتاء والربيع، وزادوا عشرين يوما كفارة لتحويله عن وقته. وقيل الأيام المعدودات عاشوراء وثلاثة من كل شهر كتب على رسول الله صلى الله عيله وسلم صيامها حين هاجر ثم نسخت بشهر رمضان، وقيل كتب عليكم كما
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»