الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٣٢
فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان
____________________
على أنه كقولك: سير بزيد بعض السير وطائفة من السير، ولا يصح أن يكون شئ في معنى المفعول به، لان عفا لا يتعدى إلى مفعول به إلا بواسطة، وأخوه هو ولى المقتول، وقيل له أخوه لأنه لابسه من قيل أنه ولى الدم ومطالبه به، كما تقول للرجل: قل لصاحبك كذا، لمن بينه وبينه أدنى ملابسة، أو ذكره بلفظ الاخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والاسلام. فان قلت، إن عفا يتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله فمن عفى له؟ قلت: يتعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب فيقال: عفوت عن فلان وعن ذنبه، قال الله تعالى - عفا الله عنك - وقال - عفا الله عنها - فإذا تعدى إلى الذنب والجاني معا قيل: عفوت لفلان عما جنى، كما نقول: غفرت له ذنبه وتجاوزت له عنه، وعلى هذا ما في الآية كأنه قيل: فمن عفى له عن جنايته فاستغنى عن ذكر الجناية: فان قلت: هلا فسرت عفى بترك حتى يكون شئ في معنى المفعول به؟ قلت: لان عفا الشئ بمعنى تركه ليس يثبت، ولكن أعفاه، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام (وأعفوا اللحى). فان قلت: فقد ثبت قولهم عفا أثره إذا محاه وأزاله، فهلا جعلت معناه فمن محى له من أخيه شئ؟ قلت: عبارة قلقة في مكانها والعفو في باب الجنايات عبارة متداولة مشهورة في الكتاب والسنة واستعمال الناس، فلا يعدل عنها إلى أخرى قلقة نابية عن مكانها، وترى كثيرا ممن يتعاطى هذا العلم يجترئ إذا أعضل عليه تخريج وجه للمشكل من كلام الله على اختراع لغة وادعاء على العرب مالا تعرفه، وهذه جرأة يستعاذ بالله منها. فان قلت: لم قيل شئ من العفو؟ قلت:
للاشعار بأنه إذا عفى له طرف من العفو وبعض منه بأن يعفى عن بعض الدم أو عفا عنه بعض الورثة ثم العفو وسقط القصاص ولم تجب إلا الدية (فاتباع بالمعروف) فليكن اتباع أو فالامر اتباع، وهذه توصية للمعفو عنه والعافي
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»