الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٣٦
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون
____________________
الرمضان مصدر رمض: إذا احترق من الرمضاء، فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع من الصرف لتعريف والألف والنون كما قيل ابن دأية للغراب بالإضافة الابن إلى دأية البعير لكثرة وقوعه عليها إذا دبرت. فان قلت: لم سمى شهر رمضان قلت: الصوم فيه عبادة قديمة، فكأنهم سموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته، كما سموه ناتقا لأنه كان ينتقهم: أي يزعجهم إضجارا بشدته عليهم. وقيل لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر. فان قلت: فإذا كانت التسمية واقعة مع المضاف والمضاف إليه جميعا فما وجه ما جاء في الأحاديث من نحو قوله عليه الصلاة والسلام (من صام رمضان إيمانا واحتسابا) من أدرك رمضان فلم يغفر له؟ قلت: هو من باب الحذف لامن الالباس كما قال * بما أعيا النطاسي حذيما * أراد ابن حذيم وارتفاعه على أنه مبتدأ خبره (الذي أنزل فيه القرآن) أو على أنه بدل من الصيام في قوله - كتب عليكم الصيام - أو على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقرئ بالنصب على صوموا شهر رمضان أو على الابدال - من أياما معدودات - أو على أنه مفعول (وأن تصوموا) ومعنى أنزل فيه القرآن: ابتدئ فيه إنزاله وكان ذلك في ليلة القدر، وقيل، أنزل جملة إلى سماء الدنيا ثم نزل إلى الأرض نجوما، وقيل أنزل في شأنه القرآن وهو قوله - كتب عليكم الصيام - كما تقول: أنزل في عمر كذا وفي علي كذا، وعن النبي عليه الصلاة والسلام (نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين، والإنجيل لثلاث عشرة، والقرآن لأربع وعشرين مضين) (هدى للناس وبينات) نصب على الحال: أي أنزل هو هداية للناس إلى الحق وهو آيات واضحات مكشوفات مما يهدى إلى الحق ويفرق بين الحق والباطل. فان قلت: ما معنى قوله وبينات من الهدى بعد قوله هدى للناس؟
قلت: ذكر أولا أنه هدى ثم ذكر أنه بينات من جملة ما هدى به الله وفرق به بين الحق والباطل من وحيه وكتبه.
السماوية الهادية الفارقة بين الهدى والضلال (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فمن كان شاهدا: أي حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر، والشهر منصوب على الظرف، وكذلك الهاء في فليصمه ولا يكون مفعولا به كقولك شهدت الجمعة، لان المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر (يريد الله) أن ييسر عليكم ولا يعسر، وقد نفى عنكم الحرج في الدين وأمركم بالحنيفية السمحة التي لا إصر فيها، ومن جملة ذلك ما رخص لكم فيه من إباحة الفطر في السفر والمرض، ومن الناس من فرض الفطر على المريض والمسافر حتى زعم أن من صام منهما فعليه الإعادة. وقرئ اليسر والعسر بضمتين. الفعل المعلل محذوف مدلول عليه بما سبق تقديره (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) شرع ذلك يعنى جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر،
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»