الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٢٩
واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب
____________________
ما رزقه الله لا يكون إلا حلالا (واشكروا الله) الذي رزقكموها (إن كنتم إياه تعبدون) إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى: إني والجن والانس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري). قرئ حرم على البناء للفاعل، وحرم على البناء للمفعول، وحرم بوزن كرم (أهل به لغير الله) أي رفع به الصوت للصنم وذلك قول أهل الجاهلية باسم اللات والعزى (غير باغ) على مضطر آخر بالاستيثار عليه (ولا عاد) سد الجوعة. فإن قلت: في الميتات ما يحل وهو السمك والجراد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحلت لنا ميتتان ودمان) قلت: قصد ما يتفاهمه الناس ويتعارفونه في العادة، ألا ترى أن القاتل إذا قال: أكل فلان ميتة، لم يسبق الوهم إلى السمك والجراد كما لو قال: أكل دما، لم يسبق إلى الكبد والطحال ولاعتبار العادة والتعارف قالوا: من حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لم يحنث وإن أكل لحما في الحقيقة، قال الله تعالى - لتأكلوا منه لحما طريا - وشبهوه بمن حلف لا يركب دابة فركب كافرا لم يحنث، وإن سماه الله تعالى دابة في قوله - إن شر الدواب عند الله الذين كفروا - فان قلت: فما له ذكر لحم الخنزير دون شحمه؟ قلت: لان الشحم داخل في ذكر اللحم لكونه تابعا له وصفة فيه بدليل قولهم لحم سمين:
يريدون أنه شحيم (في بطونهم) ملء بطونهم، يقال أكل فلان في بطنه، وأكل في بعض بطنه (إلا النار) لأنه إذا أكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار، ومنه قولهم أكل فلان الدم: إذا أكل الدية التي هي بدل منه قال * أكلت دما إن لم أرعك بضرة * وقال * يأكلن كل ليلة إكافا * أراد ثمن الأكاف فسماه إكافا لتلبسه بكونه ثمنا له (ولا يكلمهم الله) تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في تكرمة الله إياهم بكلامه، وتزكيتهم بالثناء عليهم. وقيل نفى الكلام عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب صاحبه فصرمه وقطع كلامه.
وقيل لا يكلمهم بما يحبون ولكن بنحو قوله - اخسئوا فيها ولا تكلمون - (فما أصبرهم على النار) تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم كما تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب، وقيل فما أصبرهم فأي شئ صبرهم؟ يقال أصبره على كذا وصبره بمعنى، وهذا أصل معنى فعل التعجب. والذي روى عن الكسائي أنه قال: قال لي قاضى اليمن بمكة: اختصم إلى رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له: ما أصبرك على الله، فمعناه: ما أصبرك على عذاب الله (ذلك بأن الله نزل) أي ذلك العذاب بسبب أن الله نزل ما نزل من الكتب بالحق (وان الذين اختلفوا) في كتب الله، فقالوا في بعضها حق وفى بعضها باطل وهم أهل الكتاب
(٣٢٩)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»