____________________
وهو قريب من بدع التفاسير (الخيط الأبيض) هو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود و (الخيط الأسود) ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود. قال أبو داود:
فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا وقوله (من الفجر) بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لان بيان أحدهما بيان للثاني، ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله. فان قلت: أهذا من باب الاستعارة أم من باب التشبيه؟ قلت:
قوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة كما أن قولك رأيت أسدا مجاز، فإذا زدت من فلان رجع تشبيها. فإن قلت: فلم زيد من الفجر حتى كان تشبيها وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ من التشبيه وأدخل في الفصاحة؟ قلت: لان من شرط المستعار أن يدل عليه الحال أو الكلام، ولو لم يذكر من الفجر لم يعلم أن الخيطين مستعاران، فزيد من الفجر فكان تشبيها بليغا وخرج من أن يكون استعارة فان قلت: فكيف التبس على عدى ابن حاتم مع هذا البيان حتى قال: عمدت إلى عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي فكنت أقوم من الليل فأنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك وقال: إن كان وسادك لعريضا. وروى: إنك لعريض القفا إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل. قلت: غفل عن البيان ولذاك عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قفاه، لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته، وأنشدتني بعض البدويات:
عريض القفا ميزانه في شماله قد انحص من حسب القراريط شاربه فإن قلت: فما تقول فيما روى عن سهل بن سعد الساعدي أنها نزلت ولم ينزل من الفجر، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له فنزل بعد ذلك (من الفجر) فعلموا أنه إنما يعنى بذلك الليل والنهار، وكيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث حيث لا يفهم منه المراد، إذ ليس باستعارة لفقد الدلالة، ولا بتشبيه قبل ذكر الفجر، فلا يفهم منه إذن إلا الحقيقة وهى غير مرادة. قلت: أما من لا يجوز تأخير البيان وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين وهو مذهب أبي على وأبى هاشم فلم يصح عندهم هذا الحديث، وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث، لان المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب ويعزم على فعله إذا استوضح المراد منه (ثم أتموا الصيام إلى الليل) قال فيه دليل على جواز النية بالنهار في صوم رمضان وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر وعلى نفى صوم الوصال (عاكفون في المساجد) معتكفون فيها والاعتكاف أن يحبس نفسه في المسجد يتعبد فيه، والمراد بالمباشرة الجماع لما تقدم من قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، فالآن باشروهن) وقيل معناه: ولا تلامسوهن بشهوة، والجماع يفسد الاعتكاف، وكذلك إذا لمس أو قبل فأنزل. وعن قتادة كان الرجل إذا اعتكف خرج فباشر امرأته ثم رجع إلى المسجد فنهاهم الله عن ذلك، وقالوا: فيه دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد، وأنه لا يختص به مسجد دون مسجد، وقيل لا يجوز
فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا وقوله (من الفجر) بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لان بيان أحدهما بيان للثاني، ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله. فان قلت: أهذا من باب الاستعارة أم من باب التشبيه؟ قلت:
قوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة كما أن قولك رأيت أسدا مجاز، فإذا زدت من فلان رجع تشبيها. فإن قلت: فلم زيد من الفجر حتى كان تشبيها وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ من التشبيه وأدخل في الفصاحة؟ قلت: لان من شرط المستعار أن يدل عليه الحال أو الكلام، ولو لم يذكر من الفجر لم يعلم أن الخيطين مستعاران، فزيد من الفجر فكان تشبيها بليغا وخرج من أن يكون استعارة فان قلت: فكيف التبس على عدى ابن حاتم مع هذا البيان حتى قال: عمدت إلى عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي فكنت أقوم من الليل فأنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك وقال: إن كان وسادك لعريضا. وروى: إنك لعريض القفا إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل. قلت: غفل عن البيان ولذاك عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قفاه، لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته، وأنشدتني بعض البدويات:
عريض القفا ميزانه في شماله قد انحص من حسب القراريط شاربه فإن قلت: فما تقول فيما روى عن سهل بن سعد الساعدي أنها نزلت ولم ينزل من الفجر، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له فنزل بعد ذلك (من الفجر) فعلموا أنه إنما يعنى بذلك الليل والنهار، وكيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث حيث لا يفهم منه المراد، إذ ليس باستعارة لفقد الدلالة، ولا بتشبيه قبل ذكر الفجر، فلا يفهم منه إذن إلا الحقيقة وهى غير مرادة. قلت: أما من لا يجوز تأخير البيان وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين وهو مذهب أبي على وأبى هاشم فلم يصح عندهم هذا الحديث، وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث، لان المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب ويعزم على فعله إذا استوضح المراد منه (ثم أتموا الصيام إلى الليل) قال فيه دليل على جواز النية بالنهار في صوم رمضان وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر وعلى نفى صوم الوصال (عاكفون في المساجد) معتكفون فيها والاعتكاف أن يحبس نفسه في المسجد يتعبد فيه، والمراد بالمباشرة الجماع لما تقدم من قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، فالآن باشروهن) وقيل معناه: ولا تلامسوهن بشهوة، والجماع يفسد الاعتكاف، وكذلك إذا لمس أو قبل فأنزل. وعن قتادة كان الرجل إذا اعتكف خرج فباشر امرأته ثم رجع إلى المسجد فنهاهم الله عن ذلك، وقالوا: فيه دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد، وأنه لا يختص به مسجد دون مسجد، وقيل لا يجوز