الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٣٣
ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين
____________________
جميعا، يعنى فليتبع الولي القاتل بالمعروف بأن لا يعنف به ولا يطالبه إلا مطالبة جميلة، وليؤد إليه القاتل بدل الدم أداء باحسان: بأن لا يمطله ولا يبخسه (ذلك) الحكم المذكور من العفو والدية (تخفيف من ربكم ورحمة) لان أهل التوراة كتب عليهم القصاص البتة وحرم العفو وأخذ الدية، وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية.
وخيرت هذه الأمة بين الثلاث القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيرا (فمن اعتدى بعد ذلك) التخفيف فتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد أخذ الدية، فقد كان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بقبوله الدية ثم يظفر به فيقتله (فله عذاب أليم) نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة، وعن قتادة العذاب الأليم أن يقتل لا محالة ولا يقبل منه دية لقوله عليه الصلاة والسلام (لا أعافى أحدا قتل بعد أخذه الدية) (ولكم في القصاص حياة) كلام فصيح لما فيه من الغرابة وهو أن القصاص قتل وتفويت الحياة وقد جعل، مكانا وظرفا للحياة، ومن إصابة محز البلاغة بتعريف القصاص وتنكير الحياة، لان المعنى: ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة وذلك أنهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة، وكم قتل مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفنى بكر بن وائل، وكان يقتل بالمقتول غير قاتله فتثور الفتنة ويقع بينهم التناحر، فلما جاء الاسلام بشرع القصاص كانت فيه حياة أي حياة أو نوع من الحياة، وهى الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القتل، لأنه إذا هم بالقتل فعلم أنه يقتص منه فارتدع سلم صاحبه من القتل وسلم هو من القود، فكان القصاص سبب حياة نفسين.
وقرأ أبو الجوزاء ولكم في القصص حياة: أي فيما قص عليكم من حكم القتل والقصاص، وقيل القصص القرآن:
أي ولكم في القرآن حياة للقلوب كقوله تعالى - روحا من أمرنا، ويحيى من حي عن بينة - (لعلكم تتقون) أي أريتكم ما في القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس لعلكم تتقون، تعملون عمل أهل التقوى في المحافظة على القصاص والحكم به، وهو خطاب له فضل اختصاص بالأئمة (إذا حضر أحدكم الموت) إذا دنا منه وظهرت أماراته (خيرا) مالا كثيرا. عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا أراد الوصية وله عيال وأربعمائة دينار فقالت:
ما أرى فيه فضلا. وأراد آخر أن يوصى فسألته كم مالك؟ فقال ثلاثة آلاف، قالت كم عيالك؟ قال أربعة،
(٣٣٣)
مفاتيح البحث: الوصية (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 ... » »»