الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٤٤
فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك
____________________
يقرن بينهما وأنهما يقترنان في الذكر فيقال حج فلان واعتمر والحجاج والعمار ولأنها الحج الأصغر، ولا دليل في ذلك على كونها قرينة له في الوجوب. وأما حديث عمر رضي الله عنه فقد فسر الرجل كونهما مكتوبين عليه بقوله أهللت بهما، وإذا أهل بالعمرة وجبت عليه كما إذا كبر بالتطوع من الصلاة، والدليل الذي ذكرناه أخرج العمرة من صفة الوجوب فبقى الحج وحده فيها، فهما بمنزلة قولك صم شهر رمضان وستة من شوال في أنك تأمره بفرض وتطوع. وقرأ على وابن مسعود والشعبي رضي الله عنهم: والعمرة لله بالرفع، كأنهم قصدوا بذلك إخراجها عن حكم الحج وهو الوجوب (فان أحصرتم) يقال أحصر فلان: إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز، قال الله تعالى - الذين أحصروا في سبيل الله -. وقال ابن ميادة:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت عليك ولا أن أحصرتك شغول وحصر إذا حبسه عدو عن المضي أو سجن، ومنه قيل للمحبس الحصير، وللملك الحصير لأنه محجوب، هذا هو الأكثر في كلامهم، وهما بمعنى المنع في كل شئ مثل صده وأصده، وكذلك قال الفراء وأبو عمرو الشيباني، وعليه قول أبي حنيفة رحمهم الله تعالى: كل منع عنده من عدو كان أو مرض أو غيرهما معتبر في إثبات حكم الاحصار، وعند مالك والشافعي منع العدو وحده، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل) (فما استيسر من الهدى) فما تيسر منه يقال يسر الامر واستيسر كما يقال صعب واستصعب، والهدى جمع هدية كما يقال في جدية السرج جدي. وقرئ من الهدى بالتشديد جمع هدية كمطية ومطى، يعنى فان منعتم من المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة فعليكم إذا أردتم التحليل ما استيسر من الهدى منه بعير أو بقرة أو شاة. فان قلت: أين: ومتى ينحر هدى المحصر؟ قلت: إن كان حاجا فبالحرم متى شاء عند أبي حنيفة يبعث به ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار وعندهما في أيام النحر، وإن كان معتمرا فبالحرم في كل وقت عندهم جميعا، وما استيسر رفع بالابتداء: أي فعليه ما استيسر أو نصب على فاهدوا ما استيسر (ولا تحلقوا رؤوسكم) الخطاب للمحصرين: أي لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدى الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ (محله) أي مكانه الذي يجب نحره فيه، ومحل الدين وقت وجوب قضائه وهو ظاهر على مذهب أبي حنيفة رحمه الله. فان قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه حيث أحصر. قلت: كان محصره طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة وهو من الحرم، وعن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر هديه في الحرم. وقال الواقدي: الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة (فمن كان منكم مريضا) فمن كان به مرض يحوجه إلى الحلق (أو به أذى من رأسه) وهو القمل أو الجراحة فعليه إذا احتلق فدية (من صيام) ثلاثة أيام (أو صدقة) على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر (أو نسك) وهو شاة، وعن كعب بن عجرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»