الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٢٨
وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم
____________________
وما يتجاوز الحد في القبح من العظائم، وقيل السوء مالا حد فيه، والفحشاء ما يجب الحد فيه (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وهو قولكم هذا حلال وهذا حرام بغير علم، ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله تعالى مما لا يجوز عليه. فإن قلت: كيف كان الشيطان آمرا مع قوله - ليس لك عليهم سلطان -؟ قلت: شبه تزيينه وبعثه على الشر بأمر الامر كما تقول: أمرتني نفسي بكذا، وتحته رمز إلى أنكم منه بمنزلة المأمورين لطاعتكم له وقبولكم وساوسه ولذلك قال - ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله - وقال الله تعالى - إن النفس لامارة بالسوء - لما كان الانسان يطيعها فيعطيها ما اشتهت (لهم) الضمير للناس وعدل بالخطاب عنهم على طريقة الالتفات للنداء على ضلالهم، لأنه لا ضال أضل من المقلد، كأنه يقول للعقلاء: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون.
قيل هم المشركون وقيل هم طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام فقالوا (بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) فإنهم كانوا خيرا منا وأعلم، وألفينا بمعنى وجدنا بدليل قوله - بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا - (أولو كان آباؤهم) الواو للحال والهمزة بمعنى الرد والتعجيب معناه: أيتبعونهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب. لا بد من مضاف محذوف تقديره: ومثل داعي الذين كفروا (كمثل الذي ينعق) أو ومثل الذين كفروا كبهائم الذي ينعق، والمعنى: ومثل داعيهم إلى الايمان في أنهم لا يسمعون من الدعاء إلا جرس النغمة ودوى الصوت من غير إلقاء أذهان ولا استبصار كمثل الناعق بالبهائم التي لا تسمع الا دعاء الناعق ونداءه الذي هو تصويت بها وزجر لها ولا تفقه شيئا آخر ولا تعي كما يفهم العقلاء ويعون، ويجوز أن يراد بما لا يسمع الأصم الأصلح الذي لا يسمع من كلام الرافع صوته بكلامه إلا النداء والتصويت لا غير من غير فهم للحروف. وقيل معناه: ومثلهم في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل البهائم التي لا تسمع إلا ظاهر الصوت ولا تفهم ما تحته، فكذلك هؤلاء يتبعونهم على ظاهر حالم ولا يفقهون أهم على حق أم باطل. وقيل معناه: ومثلهم في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع، إلا أن قوله: إلا دعاء ونداء لا يساعد عليه لان الأصنام لا تسمع شيئا.
والنعيق التصويت، يقال نعق المؤذن، ونعق الراعي بالضأن، قال الأخطل:
فانعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا.
وأما نغق الغراب فبالغين المعجمة (صم) هو صم رفع على الذم (من طيبات ما رزقناكم) من مستلذاته لان كل
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»