الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٤٣
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين وأتموا الحج والعمرة لله
____________________
ذلك بقوله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله) في حال كونكم منتصرين ممن اعتدى عليكم فلا تعتدوا إلى ما لا يحل لكم. الباء في (بأيديكم) مزيدة مثلها في أعطى بيده للمنقاد، والمعنى: ولا تقبضوا التهلكة أيديكم: أي لا تجعلوها آخذة بأيدكم مالكة لكم، وقيل بأيديكم بأنفسكم، وقيل تقديره: ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم، كما يقال أهلك فلان نفسه بيده: إذا تسبب لهلاكها. والمعنى: النهى عن ترك الانفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك، أو عن الاسراف في النفقة حتى يفقر نفسه ويضيع عياله، أو عن الاستقتال والأخطار بالنفس أو عن ترك الغزو الذي هو تقوية للعدو. وروى أن رجلا من المهاجرين حمل على صف العدو فصاح به الناس ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الأنصاري: نحن أعلم بهذه الآية، وإنما أنزلت فينا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصرناه وشهدنا معه المشاهد وآثرناه على أهالينا وأموالنا وأولادنا، فلما فشا الاسلام وكثر أهله ووضعت الحرب إوزارها رجعنا إلى أهالينا وأولادنا وأموالنا نصلحها ونقيم فيها، فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد.. حكى أبو علي في الحلبيات عن أبي عبيدة: التهلكة والهلاك والهلك واحد، قال: فدل هذا من قول أبى عبيدة على أن التهلكة مصدر، ومثله ما حكاه سيبويه من قولهم التضرة والتسرة، ونحوها في الأعيان التنضبة والتنفلة. ويجوز أن يقال: أصلها التهلكة كالتجربة والتبصرة ونحوهما على أنها مصدر من هلك فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاء الجوار في الجوار (وأتموا الحج والعمرة لله) ائتوا بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه الله من غير توان ولا نقصان يقع منكم فيهما. قال:
تمام الحج أن تقف المطايا على خرقاء واضعة اللثام جعل الوقوف عليها كبعض مناسك الحج الذي لا يتم إلا به، وقيل إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. روى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم. وقيل أن تفرد لكل واحد منهما سفرا كما قال محمد:
حجة كوفية وعمرة كوفية. وقيل أن تكون النفقة حلالا. وقيل أن تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشئ من التجارة والاغراض الدنيوية. فان قلت: هل فيه دليل على وجوب العمرة؟ قلت: ما هو إلا أمر بإتمامهما ولا دليل في ذلك على كونهما واجبين أو تطوعين، فقد يؤمر باتمام الواجب والتطوع جميعا إلا أن نقول الامر باتمامها أمر بأدائهما بدليل قراءة من قرأ: وأقيموا الحج والعمرة، والامر للوجوب في أصله إلا أن يدل دليل على خلاف الوجوب كما دل في قوله فاصطادوا فانتشروا ونحو ذلك، فيقال لك فقد دل الدليل على نفى الوجوب، وهو ما روى أنه قيل (يا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج؟ قال لا، ولكن أن تعتمر خير لك) وعنه (الحج جهاد والعمرة تطوع). فان قلت: فقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن العمرة لقرينة الحج، وعن عمر رضي الله عنه أن رجلا قال له: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين على أهللت بهما جميعا فقال: هديت لسنة نبيك، وقد نظمت مع الحج في الامر بالاتمام فكانت واجبة مثل الحج. قلت: كونها قرينة للحج أن القارن
(٣٤٣)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)، الحج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»