الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٢١
وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك إذا لمن الظالمين. الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون: الحق من ربك
____________________
نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم، وقرى بتابع قبلتهم عل الإضافة (وما بعضهم بتابع قبلة بعض) يعنى أنهم مع اتفاقهم لي مخالفتك مختلفون في شان القبلة لا يرجى اتفاقهم كما لا ترجى موافقتهم لك، وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى مطلع الشمس، أخبر عز وجل عن تصلب كل حزب فيما هو فيه وثباته عليه، فالمحق منهم لا يزل عن مذهبه لتمسكه بالبرهان والمبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته في عناده وقوله (ولئن اتبعت أهواءهم) بع الافصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله - وما أنت بتابع قبلتهم - كلام وارد على سبيل الفرض، والتقدير بمعين: ولئن اتبعتهم مثلا بعد وضوح البرهان والإحاطة بحقيقة الامر (انك إذا لمن الظالمين) المرتكبين الظلم الفاحش، وفى ذلك لطف للسامعين وزيادة تحذير واستفظاع لحال من يترك الدليل بعد إنارته ويتبع الهوى وتهييج وإلهاب للثبات على الحق. فإن قلت: كيف قال وما أنت بتابع قبلتهم ولم قبلتان، لليهود قبلة وللنصارى قبلة؟ قلت: كلتا القبلتين باطلة مخالفة لقبلة الحق، فكانتا بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة (يعرفونه) يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة جلية يميزون بينه وبين غيره بالوصف المعين المشخص (كما يعرفون أبناءهم) لا يشتبه عليه أبناؤهم وأبناء غيرهم، وعن مر رضي الله عنه أنه سال عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا اعلم به منى أبا بني. قال ولم؟ قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي فاما ولدى فلعل والدته خانت فقبل عمر رأسه. وجاز الاضمار وان لم يسبق له ذكر، لان الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ومثل هذا الاضمار فيه تفخيم واشعار بأنه لشهرته وكونه علما معلوم بغير إعلام، وقيل الضمير للعلم أو القرآن أو تحويل القبلة، وقوله (كما يعرفون أبناءهم) يشهد للأول وينصره الحديث عن عبد الله بن سلام. فإن قلت: لم اختص الأبناء؟ قلت: لان الذكور أشهر وأعرف وهم لصحبة الاباء الزم وبقلوبهم ألصق، وقال (فريقا منهم) استثناء لمن آمن منهم أو لجهالهم الذين قال الله تعالى فيهم - ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب - (الحق من ربك) يحتمل أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف: أي هو الحق، أو مبتدأ خبره من ربك، وفيه وجهان: أن تكون اللام للعهد والإشارة إلى الحق الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى الحق الذي في قوله ليكتمون الحق: أي هذا الذي يكتمونه هو الحق من ربك، وأن تكون للجنس على معنى الحق من الله لا من غيره: يعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه، وما لم يثبت أنه من الله كالذي عليه
(٣٢١)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»