الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٢٥
ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا خفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء
____________________
(ما أنزلنا) في التوراة (من البينات) من الآيات الشاهدة على أمر محمد صلى الله عليه وسلم (والهدى) والهداية بوصفه إلى أتباعه والايمان به (من بعد ما بيناه) وألخصناه (للناس في الكتاب) في التوراة لم ندع فيه موضع إشكال ولا اشتباه على أحد منهم، فعمدوا إلى ذلك المبين الملخص فكتموه ولبسوا على الناس (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) الذين يتأتى منهم اللعن عليهم وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين (وأصلحوا) ما أفسدوا من أحوالهم وتداركوا ما فرط منهم (وبينوا) ما بينه الله في كتابهم فكتموه أو بينوا للناس ما أحدثوه من توبتهم ليمحو سمة الكفر عنهم ويعرفوا بضد ما كانوا يعرفون به ويقتدى بهم غيرهم من المفسدين (إن الذين كفروا) يعنى الذين ماتوا من هؤلاء الكاتمين ولم يتوبوا، ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتا، وقرأ الحسن - والملائكة والناس أجمعون - بالرفع عطفا على محل اسم الله لأنه فاعل في التقدير كقولك: عجبت من ضرب زيد وعمرو، تريد من أن ضرب زيد وعمرو كأنه قيل: أولئك عليهم أن لعنهم الله والملائكة. فان قلت: ما معنى قوله - والناس أجمعين - وفى الناس المسلم والكافر؟ قلت: أراد بالناس من يعتد بلعنه وهم المؤمنون، وقيل يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا (خالدين فيها) في اللعنة وقيل في النار إلا أنها أضمرت تفخيما لشأنها وتهويلا (ولا هم ينظرون) من الانظار: أي لا يمهلون ولا يؤجلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة (إله واحد) فرد في الإلهية لا شريك له فيها ولا يصح أن يسمى غيره إلها و (لا إله إلا هو) تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثباته (الرحمن الرحيم) المولى لجميع النعم أصولها وفروعها، ولا شئ سواه بهذه الصفة فان كل ما سواه إما نعمة وإما منعم عليه. وقيل كان للمشركين حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فلما سمعوا بهذه الآية تعجبوا وقالوا: إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك فنزلت (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار) واعتقابهما لأن كل واحد منهما يعقب الآخر كقوله - جعل الليل والنهار خلفة - (بما ينفع الناس) بالذي ينفعهم مما يحمل فيها أو ينفع الناس. فإن قلت: قوله - وبث فيها - عطف على أنزل أم أحيا؟ قلت: الظاهر أنه عطف على أنزل داخل تحت حكم الصلة لأن قوله - فأحيا به الأرض - عطف على أنزل فاتصل به وصارا جميعا كالشئ الواحد، فكأنه قيل: وما أنزل في الأرض من ماء وبث فيها من كل دابة، ويجوز عطفه على أحيا على معنى: فأحيا بالمطر الأرض وبث فيها من كل دابة،
(٣٢٥)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»