الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٢٦
من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا
____________________
لأنهم ينمون بالخصب ويعيشون بالحيا (وتصريف الرياح) في مهابها قبولا ودبورا وجنوبا وشمالا، وفى أحوالها حارة وباردة وعاصفة ولينة وعقما ولواقح، وقيل تارة بالرحمة وتارة بالعذاب (والسحاب المسخر) سخر للرياح تقلبه في الجو بمشيئة الله يمطر حيث شاء (لآيات لقوم يعقلون) ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون لأنها دلائل على عظيم القدرة وباهر الحكمة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها) أي لم يتفكر فيها ولم يعتبر بها، وقرئ والفلك بضمتين وتصريف الريح على الإفراد (أندادا) أمثالا من الأصنام، وقيل من الرؤساء الذين كانوا يتبعونهم ويطيعونهم وينزلون على أوامرهم ونواهيهم واستدل بقوله - إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا - ومعنى (يحبونهم) يعظمونهم ويخضعون لهم تعظيم المحبوب (كحب الله) كتعظيم الله والمخضوع له: أي كما يحب الله تعالى على أنه مصدر من المبنى للمفعول، وإنما استغنى عن ذكر من يحبه لأنه غير ملبس، وقيل كحبهم الله: أي يسوون بينه وبينهم في محبتهم لأنهم كانوا يقرون بالله ويتقربون إليه، فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين (أشد حبا لله) لأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره، بخلاف المشركين فإنهم يعدلون عن أندادهم إلى الله عند الشدائد فيفزعون إليه ويخضعون له ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله ويعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه إلى غيره، أو يأكلونه كما أكلت باهلة إلهها من حيس عام المجاعة (الذين ظلموا) إشارة إلى متخذي الأنداد: أي ولو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم أن القدرة كلها لله على كل شئ من العقاب والثواب دون أندادهم، ويعلمون شدة عقابه للظالمين إذا عاينوا العذاب يوم القيامة لكان منهم مالا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم، فحذف الجواب كما في قوله - ولو ترى إذ وقفوا - وقولهم: لو رأيت فلانا والسياط تأخذه، وقرئ ولو ترى بالتاء على خطاب الرسول أو كل مخاطب: أي ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما: وقرئ إذ يرون على البناء للمفعول، وإذ في المستقبل كقوله:
ونادى أصحاب الجنة (إذ تبرأ) بدل من إذ يرون العذاب: أي تبرأ المتبوعون وهم الرؤساء من الأتباع، وقرأ مجاهد
(٣٢٦)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»