الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣١٨
ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة
____________________
لا عليهم. قلت: لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له جئ بكلمة الاستعلاء، ومنه قوله تعالى - والله على كل شئ شهيد - كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد - وقيل " لتكونوا شهداء على الناس " في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول الأخيار (ويكون الرسول عليكم شهيدا) يزكيكم ويعلم بعدالتكم. فإن قلت:
لم أخرت صلة الشهادة أولا وقدمت آخرا؟ قلت: لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفى الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم (التي كنت عليها) ليست بصفة للقبلة إنما هي ثاني مفعولي جعل، يريد:
وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها وهى الكعبة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلى بمكة إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود ثم حول إلى الكعبة، فيقول: وما جعلنا القبلة التي يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة، يعنى وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء (لنعلم) الثابت على الإسلام الصادق فيه ممن هو على حرف ينكص (على عقبيه) لقلقه فيرتد كقوله - وما جعلنا عدتهم إلا فتنة لذين كفروا - الآية، ويجوز أن يكون بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس قبلته، يعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وأن استقبالك بيت المقدس كان أمرا عارضا لغرض، وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذا وهى بيت المقدس لنمتحن الناس وننظر من يتبع الرسول منهم ومن لا يتبعه وينفر عنه. وعن ابن عباس رضي الله عنه : كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه. فإن قلت: كيف قال لنعلم ولم يزل عالما بذلك؟ قلت: معناه لنعلمه علما يتعلق به الجزاء وهو أن يعلمه موجودا حاصلا، ونحوه - ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين - وقيل ليعلم رسول الله والمؤمنون وإنما أسند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده، وقيل معناه: لنميز التابع من الناكص كما قال - ليميز الله الخبيث من الطيب - فوضع العلم موضع التمييز لأن العلم به يقع التمييز له (وإن كانت لكبيرة) هي إن المخففة التي تلزمها اللام الفارقة، والضمير في كانت لما
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»