الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣١٥
قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد أهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم. صبغة الله
____________________
(قولوا) خطاب للمؤمنين ويجوز أن يكون خطابا للكافرين أي قولوا لتكونوا على الحق وإلا فأنتم على الباطل وكذلك قوله - بل ملة إبراهيم - يجوز أن يكون على بل أتبعوا أنتم ملة إبراهيم أو كونوا أهل ملته. والسبط الحافد وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم (والأسباط) حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر (لا نفرق بين أحد منهم) لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى وأحد في معنى الجماعة ولذلك صح دخول بين عليه (بمثل ما آمنتم به) من باب التبكيت لأن دين الحق واحد لا مثل له وهو دين الإسلام - ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه - فلا يوجد إذا دين آخر يماثل دين الإسلام في كونه حقا حتى إن آمنوا بذلك الدين المماثل له كانوا مهتدين، فقيل فإن آمنوا بكلمة الشك على سبيل الفرض والتقدير أي فإن حصلوا دينا آخر مثل دينك مساويا له في الصحة والسداد فقد اهتدوا وفيه أن دينهم الذي هم عليه وكل دين سواه مغاير له غير مماثل لأنه حق وهدى وما سواه باطل وضلال ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه هذا هو الرأي الصواب فإن كان عندك رأى أصوب منه فاعمل به وقد علمت أن لا أصوب من رأيك ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأى وراءه ويجوز أن لا تكون الباء صلة وتكون باء الاستعانة كقولك كتبت بالقلم وعملت بالقدوم أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها. وقرأ ابن عباس وابن مسعود بما آمنتم به وقرأ أبى بالذي آمنتم به (وإن تولوا) عما تقولون لهم ولم ينصفوا فما هم إلا (في شقاق) أي في مناوأة ومعاندة لا غير وليسوا من طلب الحق في شئ، أو وإن تولوا عن الشهادة والدخول في الإيمان بها (فسيكفيكهم الله) ضمان من الله لإضهار رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وقد أنجز وعده بقتل قريظة وسبيهم وإجلاء بنى النضير، ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين (وهو السميع العليم) وعيد لهم: أي يسمع ما ينطقون به ويعلم ما يضمرون من الحسد والغل وهو معاقبهم عليه، أو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى يسمع ما تدعو به ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك (صبغة الله) مصدر مؤكد منتصب عن قوله - آمنا بالله - كما انتصب وعد الله عما تقدمه وهى فعلة من
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»