الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣١٠
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير،
____________________
إليه فلا يتعرض له حتى يخرج، وقرئ مثابات لأنه مثابة لكل من الناس لا يختص به واحد منهم - سواء العاكف فيه والباد - (واتخذوا) على إرادة القول: أي وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه، وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه أخذ بيد عمر فقال: هذا مقام إبراهيم، فقال عمر: أفلا نتخذه مصلى؟ " يريد أفلا نؤثره لفضله بالصلاة فيه تبركا به وتيمنا بموطئ قدم إبراهيم؟ فقال: لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس حتى نزلت ". وعن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الحجر ورمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ - واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى - " وقيل مصلى مدعى، ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع عليه قدميه وهو الموضع الذي يسمى مقام إبراهيم. وعن عمر رضي الله عنه أنه سأل المطلب بن أبي وداعة:
هل تدرى أين كان موضعه الأول؟ قال نعم، فأراه موضعه اليوم. وعن عطاء: مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها. وعن النخعي: الحرم كله مقام إبراهيم. وقرئ واتخذوا بلفظ الماضي عطفا على جعلنا: أوى واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبلة يصلون إليها (عهدنا) أمرناهما (أن طهرا بيتي) بأن طهرا أو أي طهرا. والمعنى: طهراه من الأوثان والأنجاس وطواف الجنب والحائض والخبائث كلها، أو أخلصاه لهؤلاء لا يغشه غيرهم (والعاكفين) المجاورين الذين عكفوا عنده: أي أقاموا لا يبرحون أو المعتكفين، ويجوز أن يريد بالعاكفين الواقفين: يعنى القائمين في الصلاة، كما قال: للطائفين والقائمين والركع السجود، والمعنى: للطائفين والمصلين لأن القيام والركوع والسجود هيئات المصلى: أي اجعل هذا البلد أو هذا المكان (بلدا آمنا) ذا أمن كقوله - عيشة راضية - أو آمنا من فيه كقوله ليل نائم، و (من آمن منهم) بدل من أهله: يعنى وارزق المؤمنين من أهله خاصة (ومن كفر) عطف على من آمن كما عطف ومن ذريتي على الكاف في جاعلك. فإن قلت: لم خص إبراهيم صلوات الله عليه المؤمنين حتى رد عليه؟
قلت: قاس الرزق على الإمامة فعرف الفرق بينهما، لأن الاستخلاف استرعاء يختص بمن ينصح للمرعى، وأبعد الناس عن نصيحة الظالم، بخلاف الرزق فإنه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجة له. وأرزق من كفر فأمتعه، ويجوز أن يكون ومن كفر مبتدأ متضمنا معنى الشرط، وقوله فأمتعه جوابا للشرط: أي ومن كفر فأنا أمتعه، وقرئ فأمتعه فأضطره فألزه إلى عذاب النار لز المضطر الذي لا يملك الا امتناع مما اضطر إليه. وقرأ أبى فنمتعه قليلا ثم نضطره، وقرأ يحيى بن وثاب " فإضطره " بكسر الهمزة. وقرأ ابن عباس فأمتعه قليلا ثم اضطره على لفظ الأمر، والمراد الدعاء من إبراهيم دعا ربه بذلك. فإن قلت: فكيف تقدير الكلام على هذه القراءة؟ قلت:
في قال ضمير إبراهيم: أي قال إبراهيم بعد مسألته اختصاص المؤمنين بالرزق: ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره.
(٣١٠)
مفاتيح البحث: السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»