الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٠٩
فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا
____________________
في القراءة المشهورة يلي الفعل في التقدير فتعليق الضمير به إضمار قبل الذكر. قلت: الإضمار قبل الذكر أن يقال ابتلى ربه إبراهيم، فأما ابتلى إبراهيم ربه أو ابتلى ربه إبراهيم فليس واحد منهما بإضمار قبل الذكر، أما الأول فقد ذكر فيه صاحب الضمير قبل الضمير ذكرا ظاهرا، وأما الثاني فإبراهيم فيه مقدم في المعنى، وليس كذلك ابتلى ربه إبراهيم فإن الضمير فيه قد تقدم لفظا ومعنى فلا سبيل إلى صحته، والمستكن في (فأتمهن) في إحدى القراءتين لإبراهيم بمعنى فقام بهن حق القيام وأداهن أحسن التأدية من غير تفريط وتوان، ونحوه - وإبراهيم الذي وفى - وفى الأخرى لله تعالى بمعنى فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا، ويعضده ما روى عن مقاتل أنه فسر الكلمات بما سأل إبراهيم ربه في قوله - رب اجعل هذا البلد آمنا، واجعلنا مسلمين لك - وابعث فيهم رسولا منهم - ربنا تقبل منا - فإن قلت: ما العامل في إذ. قلت: إما مضمر نحو واذكر إذ ابتلى أو وإذ ابتلاه كان كيت وكيت، وإما قال إني جاعلك. فإن قلت: فما موقع قال؟ قلت: هو على الأول استئناف كأنه قيل: فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟ فقيل: قلت إني جاعلك الناس إماما - وعلى الثاني جملة معطوفة على ما قبلها، ويجوز أن يكون بيانا لقوله ابتلى وتفسيرا له، فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده والإسلام قبل ذلك في قوله إذ قال له ربه أسلم، وقيل في الكلمات هن خمس في الرأس: الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق.
وخمس في البدن: الختان والاستحداد والاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط. وقيل ابتلاه من شرائع الإسلام بثلاثين سهما: عشر في براءة: - التائبون العابدون - وعشر في الأحزاب: - إن المسلمين والمسلمات - وعشر في المؤمنون و- سأل سائل إلى قوله: - والذين هم على صلاتهم يحافظون -. وقيل هي مناسك الحج كالطواف والسعي والرمي والإحرام والتعريف وغيرهن. وقيل ابتلاه بالكواكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة والإمام اسم من يؤتم به على زنة الإله كالإزار لما يؤتزر به: أي يأتمون بك في دينهم (ومن ذريتي) عطف على الكاف كأنه قال وجاعل بعض ذريتي، كما يقال لك سأكرمك فتقول وزيدا (لا ينال عهدي الظالمين) وقرئ الظالمون: أي من كان ظالما من ذريتك لا ينال استخلافي وعهدي إليه بالإمامة وإنما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم، وقالوا في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة، وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره ولا يقدم للصلاة؟ وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتى سرا بوجوب نصرة زيد بن علي رضوان الله عليهما وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتغلب المتسمى بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه، وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل، فقال ليتني مكان ابنك. وكان يقول في المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عد أجره لما فعلت.
وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماما قط، وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة، فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم. و (البيت) اسم غالب للكعبة كالنجم للثريا (مثابة للناس) مباءة ومرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه: أي يثون إليه أعيان الذين يزورونه أو أمثالهم (وأمنا) وموضع أمن كقوله - حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم - ولأن الجاني يأوى
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»