الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٠٨
تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير. الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون. يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين. واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات
____________________
واستهانة بها (تشابهت قلوبهم) أي قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى كقوله - أتواصوا به - (قد بينا الآيات لقوم) ينصفون ف‍ (يوقنون) أنها آيات يجب الاعتراف بها والإذعان لها والاكتفاء بها عن غيرهم (إنا أرسلناك) لأن تبشر وتنذر لا لتجبر على الإيمان، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسرية عنه لأنه كان يغتم ويضيق صدره لإصرارهم وتصميمهم على الكفر ولا نسألك (عن أصحاب الجحيم) ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت وبلغت جهدك في دعوتهم كقوله - فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب وقرئ ولا تسأل على النهى روى أنه قال: ليت شعري ما فعل أبواى؟ فنهى عن السؤال عن أحوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله، وقيل معناه تعظيم ما وقع فيه الكفار من العذاب كما تقول كيف فلان سائلا عن الواقع في بلية؟ فيقال لك لا تسأل عنه ووجه التعظيم أن المستخبر يجزع أن يجرى على لسانه ما هو فيه لفظا عنه فلا تسأله ولا تكلفه ما يضجره وأنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره لإيحاشه السامع وإضجاره فلا تسأل وتعضد القراءة الأولى قراءة عبد الله " ولن تسئل " وقراءة أبى " وما تسئل " كأنهم قالوا: لن نرضى عنك وإن أبلغت في طلب رضانا حتى تتبع ملتنا إقناطا منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخولهم في الإسلام فحكى الله عز وجل كلامهم ولذلك قال (قل إن هدى الله هو الهدى) على طريقة إجابتهم عن قولهم يعنى أن هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى بالحق والذي يصح أن يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى وما تدعون إلى ابتاعه ما هو بهدى إنما هو هوى ألا ترى إلى قوله (ولئن اتبعت أهواءهم) أي أقوالهم التي هي أهواء وبدع (بعد الذي جاءك من العلم) أي من الدين المعلوم صحته بالبراهين الصحيحة (الذين آتيناهم الكتاب) هم مؤمنو أهل الكتاب (يتلونه حق تلاوته) لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك يؤمنون) بكتابهم دون المحرفين (ومن يكفر به) من المحرفين (فأولئك هم الخاسرون) حيث اشتروا الضلالة بالهدى (ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) اختبره بأوامر ونواه، واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه عن اختيار أحد الأمرين ما يريد الله وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه وهى قراءة ابن عباس رضي الله عنهما " إبراهيم بربه " رفع إبراهيم ونصب ربه والمعنى أنه دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهن أم لا فإن قلت: الفاعل
(٣٠٨)
مفاتيح البحث: الشفاعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»