الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣١٤
ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين.
____________________
نبي إلا على اليهودية، إلا أنهم لو شهدوه وسمعوا ما قاله لبنيه وما قالوه لظهر لهم حرصه على ملة الإسلام ولما ادعوا عليه اليهودية فالآية منافية لقولهم فكيف يقال لهم أم كنتم شهداء ولكن الوجه أن تكون أم متصلة على أن يقدر قبلها محذوف كأنه قيل: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت؟ يعنى أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام. وقد علمتم ذلك فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه براء وقرئ حضر بكسر الضاد وهى لغة (ما تعبدون) أي شئ تعبدون وما عام في كل شئ فإذا علم فرق بما ومن وكفاك دليلا قول العلماء من لما يعقل ولو قيل من تعبدون لم يعم إلا أولى العلم وحدهم ويجوز أن يقال ما تعبدون سؤال عن صفة المعبود كما تقول: ما زيد تريد أفقيه أم طبيب أم غير ذلك من الصفات و (إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) عطف بيان لآبائك وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة آبائه لأن العم أب والخالة أم لانخراطهما في سلك واحد وهو الإخوة لا تفاوت بينهما ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " عم الرجل صنو أبيه " أي لا تفاوت بينهما كما لا تفاوت بين صنوي النخلة. وقال عليه السلام في العباس " هذا بقية آبائي " وقال:
" ردوا على أبى فإني أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود " وقرأ أبى وإله إبراهيم بطرح آبائك وقرئ أبيك وفيه وجهان أن يكون واحدا وإبراهيم وحده عطف بيان له، وأن يكون جمعا بالواو والنون قال:
وفديننا بالأبينا. (إلها واحدا) بدل من إله آبائك كقوله تعالى - بالناصية ناصية كاذبة - أو على الاختصاص أي نريد بإله آبائك إلها واحدا (ونحن له مسلمون) حال من فاعل نعبد أو من مفعوله لرجوع الهاء إليه في له ويجوز أن تكون جملة معطوفة على نعبد وأن تكون جملة اعتراضية مؤكدة أي ومن حالنا أنا له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون (تلك) إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون، والمعنى أن أحدا لا ينفعه كسب غيره متقدما كان أو متأخرا فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم إلا ما اكتسبتم وذلك أنهم افتخروا بأوائلهم ونحوه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم " (ولا تسئلون عما كانوا يعملون) ولا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تنفعكم حسناتهم (بل ملة إبراهيم) بل نكون ملة إبراهيم أي أهل ملته كقول عدى بن حاتم إني من دين يريد من أهل دين وقيل بل نتبع ملة إبراهيم وقرئ ملة إبراهيم بالرفع: أي ملته ملتنا أو أمرنا ملته أو نحن ملته بمعنى أهل ملته، و (حنيفا) حال من المضاف إليه كقولك رأيت وجه هند قائمة والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق والحنف الميل في القدمين وتحنف إذا مال وأنشد:
ولكنا خلقنا إذ خلقنا * حنيفا ديننا عن كل دين (ومن كان من المشركين) تعريض بأهل الكتاب وغيرهم لأن كلا منهم يدعى اتباع إبراهيم وهو على الشرك
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»