الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٠٦
فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها أسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم ولله المشرق والمغرب
____________________
الأصنام والمعطلة ونحوهم قالوا لأهل كل دين ليسوا على شئ وهذا توبيخ عظيم لهم حيث نظموا أنفسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم وروى أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود ما أنتم على شئ من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت النصارى لهم نحوه وكفروا بموسى والتوراة (فالله يحكم) بين اليهود والنصارى (يوم القيامة) بما يقسم لكل فريق منهم من العقاب الذي استحقه وعن الحسن حكم الله بينهم أن يكذبهم ويدخلهم النار (أن يذكر) ثاني مفعولي منع لأنك تقول منعته كذا ومثله - وما منعنا أن نرسل - وما منع الناس أن يؤمنوا - ويجوز أن يحذف حرف الجر مع أن ولك أن تنصبه مفعولا له بمعنى منعها كراهة أن يذكر وهو حكم عام لجنس مساجد الله وأن مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم والسبب فيه أن النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه وأن الروم غزوا أهله فخربوه وأحرقوا التوراة وقتلوا وسبوا وقيل أراد به منع المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية فإن قلت: فكيف قيل مساجد الله، وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد وهو بيت المقدس أو المسجد الحرام؟ قلت: لا بأس أن يجئ الحكم عاما وإن كان السبب خاصا كما تقول لمن آذى صالحا واحدا: ومن أظلم ممن آذى الصالحين وكما قال الله عز وجل - ويل لكل همزة لمزة - والمنزول فيه الأخنس شريق (وسعى في خرابها) بانقطاع الذكر أو بتخريب البنيان وينبغي أن يراد بمن منع العموم كما أريد بمساجد الله ولا يراد الذين منعوا بأعيانهم من أولئك النصارى أو المشركين (أولئك) المانعون (ما كان لهم أن يدخلوها) أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله (إلا خائفين) على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يستولوا عليها ويلوها ويمنعوا المؤمنين منها. والمعنى ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم وقيل ما كان لهم في حكم الله يعنى أن الله قد حكم وكتب في اللوح أنه ينصر المؤمنين ويقويهم حتى لا يدخلوها إلا خائفين روى أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكرا مسارقة وقال قتادة لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا أنهك ضربا وأبلغ إليه في العقوبة وقيل نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان " وقرأ عبد الله إلا خيفا وهو مثل صنم وقد اختلف الفقهاء في دخول الكافر بالمسجد فجوزه أبو حنيفة رحمه الله ولم يجوزه مالك وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره وقيل معناه النهى عن تمكينهم من الدخول والتخلية بينهم وبينه كقوله وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله - (خزى) قتل وسبى أو ذلة بضرب الجزية وقيل فتح مدائنهم قسطنطينية ورومية وعمورية (ولله المشرق والمغرب) أي بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها لله هو
(٣٠٦)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»