الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣١٩
إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم. قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها
____________________
دل عليه قوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها من الردة أو التحويلة أو الجعلة، ويجوز أن يكون للقبلة. (لكبيرة):
لثقيلة شاقة (إلا على الذين هدى الله) إلا على الثابتين الصادقين في اتباع الرسول الذين لطف الله بهم وكانوا أهلا للطفه (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي ثباتكم على الإيمان وأنكم لم تزلوا ولم ترتابوا بل شكر صنيعكم وأعد لكم الثواب العظيم، ويجوز أن يراد: وما كان الله ليترك تحويلكم لعلمه أن تركه مفسدة وإضاعة لإيمانكم. وقيل من كان صلى إلى بيت المقدس قبل التحويل فصلاته غير ضائعة، عن ابن عباس رضي الله عنه لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات قبل التحويل من إخواننا؟ فنزلت (لرءوف رحيم) لا يضيع أجورهم ولا يترك ما يصلحهم. ويحكى عن الحجاج أنه قال للحسن: ما رأيك في أبى تراب؟ فقرأ قوله - إلا على الذين هدى الله - ثم قال وعلى منهم وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته وأقرب الناس إليه وأحبهم، وقرئ إلا ليعلم على البناء للمفعول، ومعنى العلم المعرفة، ويجوز أن تكون من متضمنة لمعنى الاستفهام معلقا عنها العلم كقولك: علمت أزيد في الدار أم عمرو. وقرأ ابن أبي إسحاق " على عقبيه " بسكون القاف، وقرأ اليزيدي " لكبيرة " بالرفع، ووجهها أن تكون كان مزيدة كما في قوله: * وجيران لنا كانوا كرام * والأصل وإن هي لكبيرة كقولك: إن زيد لمنطلق، ثم " وإن كانت لكبيرة "، وقرئ ليضيع بالتشديد (قد نرى) ربما نرى ومعناه كثرة الرؤية كقوله: * قد أترك القرن مصفرا أنامله * (تقلب وجهك) تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة السماء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم وأدعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم ولمخالفة اليهود، فكان يراعى نزول جبريل عليه السلام والوحي بالتحويل (فلنولينك) فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها من قولك: وليته كذا إذا جعلته واليا له، أو فلنجعلنك تلى سمتها دون سمت بيت المقدس (ترضاها) تحبها وتميل إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها ووافقت مشيئة الله
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»