الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٠٢
لو كانوا يعلمون. ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم.
____________________
بضاري بطرح النون والإضافة إلى أحد والفصل بينهما بالظروف فإن قلت كيف يضاف إلى أحد وهو مجرور بمن؟ قلت جعل الجار جزءا من المجرور فإن قلت كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله ولقد علموا على سبيل التوكيد القسمي ثم نفاه عنهم في قوله لو كانوا يعلمون؟ قلت معناه لو كانوا يعلمون بعلمهم جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم منسلخون عنه (ولو أنهم آمنوا) برسول الله والقرآن (واتقوا) الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين (لمثوبة من عند الله خير) وقرئ لمثوبة كمشورة (ولو كانوا يعلمون) أن ثواب الله خير مما هم فيه وقد علموا لكنه جهلهم لترك العمل بالعلم فإن قلت: كيف أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب لو؟ قلت: لما في ذلك من الدلالة على إثبات المثوبة واستقرارها كما عدل عن النصب إلى الرفع في - سلام عليكم - لذلك فإن قلت: فهلا قيل لمثوبة الله خير. قلت: لأن المعنى لشئ من الثواب خير لهم ويجوز أن يكون قوله ولو أنهم؟؟ آمنوا تمنيا لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له كأنه قيل وليتهم آمنوا ثم ابتدئ لمثوبة من عند الله خير، كان المسلمون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ألقى عليهم شيئا من العلم راعنا يا رسول الله أي راقبنا وانتظرنا وتأن بنا حتى نفهمه ونحفظه وكانت لليهود كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية وهى راعينا فلما سمعوا بقول المؤمنين راعنا افترصوه وخاطبوا به الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يعنون به تلك المسبة فنهى المؤمنون عنها وأمروا بما هو في معناه وهو (انظرنا) من نظره إذا انتظره.
وقرأ أبى أنظرنا من النظرة أي أمهلنا حتى نحفظ وقرأ عبد الله بن مسعود راعونا على أنهم كانوا يخاطبونه بلفظ الجمع للتوقير وقرأ الحسن راعنا بالتنوين من الرعن وهو الهوج أي لا تقولوا قولا راعنا منسوبا إلى الرعن بمعنى رعنيا كدارع ولابن لأنه لما أشبه قولهم راعينا وكان سببا في السب اتصف بالرعن (واسمعوا) وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلقى عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة أو واسمعوا سماع قبول وطاعة ولا يكن سماعكم مثل سماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا أو واسمعوا ما أمرتم به بجد حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه تأكيدا عليهم ترك تلك الكلمة وروى أن سعد بن معاذ سمعها منهم فقال يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه فقالوا أو لستم تقولونها؟ فنزلت (وللكافرين) ولليهود الذين تهاونوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسبوه (عذاب أليم) من الأولى للبيان لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون كقوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين والثانية مزيدة
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»