الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٠٠
فإن الله عدو للكافرين ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون. ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
____________________
قلت جاءت على حكاية كلام الله تعالى كما تكلم به كأنه قيل قل ما تكلمت به من قولي من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك فإن قلت كيف استقام قوله فإنه نزله جزاء للشرط؟ قلت فيه وجهان أحدهما إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته حيث نزل كتابا مصدقا للكتب بين يديه فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعة في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم والثاني إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزل عليك القرآن مصدقا لكتابهم وموافقا له وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم ولذلك كانوا يحرفونه ويجحدون موافقته له كقولك إن عاداك فلان فقد آذيته وأسأت إليه، أفرد المكان بالذكر لفضلهما كإنهما من جنس آخر وهو مما ذكر أن التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات وقرئ ميكال بوزن قنطار وميكائيل كميكاعيل وميكائل كميكاعل وميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل قال ابن جنى العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه (عدو للكافرين) أراد عدو لهم فجاء بالظاهر ليدل على أن الله إنما عاداهم لكفرهم وأن عداوة الملائكة كفر وإذا كانت عداوة الأنبياء كفرا فما بال الملائكة وهم أشرف؟. والمعنى: من عاداهم عاداه الله وعاقبه أشد العقاب (إلا الفاسقون) إلا المتمردون من الكفرة وعن الحسن إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره وعن ابن عباس رضي الله عنه قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما جئتنا بشئ نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك لها فنزلت واللام في الفاسقون للجنس والأحسن تكون إشارة إلى أهل الكتاب (أو كلما) الواو للعطف على محذوف معناه أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا وقرأ أبو السمأل بسكون الواو على أن الفاسقون بمعنى الذين فسقوا فكأنه قيل وما يكفر بها إلا الذين فسقوا أو نقضوا عهد الله مرارا كثيرة وقرئ عوهدوا وعهدوا واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا وكم عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفوا الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة -. والنبذ الرمي بالذمام ورفضه، وقرأ عبد الله نقضه (فريق منهم) وقال فريق منهم لأن منهم من لم ينقض (بل أكثرهم لا يؤمنون) بالتوراة وليسوا من الدين في شئ فلا يعدون نقض المواثيق ذنبا ولا يبالون به (كتاب الله) يعنى التوراة لأنهم بكفرهم برسول الله المصدق لما معهم كافرون بها نابذون لها وقيل كتاب الله القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول (كأنهم لا يعلمون) أنه كتاب الله لا يدخلهم فيه شك يعنى أن علمهم بذلك رصين ولكنهم كابروا وعاندوا ونبذوه وراء ظهورهم مثل لتركهم وإعراضهم عنه مثل بما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه وعن الشعبي هو بين أيديهم يقرءونه ولكنهم نبذوا العمل به. وعن سفيان أدرجوه في الديباج والحرير وحلوه بالذهب ولم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»