الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٩٨
والله عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون.
____________________
وليت كلمة التمني ومحال أن يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب ولو كان التمني بالقلوب وتمنوا لقالوا قد تمنينا الموت في قلوبنا ولم ينقل أنهم قالوا ذلك. فإن قلت: لم يقولوه لأنهم علموا أنهم لا يصدقون. قلت كما حكى عنهم من أشياء قاولوا بها المسلمين من الافتراء على الله وتحريف كتابه وغير ذلك لما علموا أنهم غير مصدقين فيه ولا محمل له إلا الكذب البحت ولم يبالوا فكيف يمتنعون من أن يقولوا إن التمني من أفعال القلوب وقد فعلناه مع احتمال أن يكونوا صادقين في قولهم وإخبارهم عن ضمائرهم وكان الرجل يخبر عن نفسه بالإيمان فيصدق مع احتمال أن يكون كاذبا لأنه أمر خاف لا سبيل إلى الاطلاع عليه (والله عليم بالظالمين) تهديد لهم (ولتجدنهم) هو من وجد بمعنى علم المتعدى إلى مفعولين في قولهم وجدت زيدا ذا لحفاظ ومفعولاه هم (أحرص) فإن قلت:
لم قال (على حياة) بالتنكير؟ قلت لأنه أراد حياة مخصوصة وهى الحياة المتطاولة ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبى على الحياة (ومن الذين أشركوا) محمول على المعنى لأن معنى أحرص الناس أحرص من الناس فإن قلت ألم يدخل الذين أشركوا تحت الناس؟ قلت: بلى ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد، ويجوز أن يراد وأحرص من الذين أشركوا فحذف لدلالة أحرص الناس عليه وفيه توبيخ عظيم لأن الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان حقيقيا بأعظم التوبيخ فإن قلت: لم زاد حرصهم على حرص المشركين؟ قلت:
لأنهم علموا لعلمهم بحالهم أنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون لا يعلمون ذلك، وقيل أراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم: عش ألف نيروز وألف مهرجان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو قول الأعاجم زي هزار سال، وقيل ومن الذين أشركوا كلام مبتدأ أي ومنهم ناس (يود أحدهم) على حذف الموصوف كقوله - وما منا إلا له مقام معلوم - والذين أشركوا على هذا مشار به إلى اليهود لأنهم قالوا عزير ابن الله والضمير في (وما هو) لأحدهم و (أن يعمر) فاعل بمزحزحه: أي وما أحدهم بمن يزحزحه من النار تعميره.
وقيل الضمير لما دل عليه يعمر من مصدره وأن يعمر بدل منه ويجوز أن يكون هو مبهما وأن يعمر موضحه والزحزحة التبعيد والانحناء فإن قلت: يود أحدهم ما موقعه؟ قلت: هو بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف. فإن قلت: كيف اتصل لو يعمر بيود أحدهم؟ قلت هو حكاية لودادتهم ولو في معنى التمني وكان القياس لو أعمر إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله - يود أحدهم - كقولك حلف بالله ليفعلن. روى أن عبد الله بن صوريا من أحبار فدك حاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عمن يهبط عليه بالوحي فقال جبريل فقال ذاك عدونا ولو كان غيره لآمنا بك وقد عادانا مرارا. وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بختنصر فبعثنا من يقتله فلقيه ببابل غلاما مسكينا فدفع عنه جبريل وقال: إن كان ربكم أمره بهلاككم
(٢٩٨)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»