الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٠١
واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، وتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتريه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم
____________________
(واتبعوا) أي نبذوا كتاب الله واتبعوا (ما تتلوا الشياطين) يعنى واتبعوا كتب السحر والشعوذة التي كانت تقرؤها (على ملك سليمان) أي على عهد ملكه وفى زمانه وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقفونها ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في كتب يقرأونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب كانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه يسخر الإنس والجن والريح التي تجرى بأمره (وما كفر سليمان) تكذيب للشياطين ودفع لما بهتت به سليمان من اعتقاد السحر والعمل به وسماه كفرا (ولكن الشياطين) هم الذين (كفروا) باستعمال السحر وتدوينه (يعلمون الناس السحر) يقصدون به إغوائهم وإضلالهم (وما أنزل على الملكين) عطف على السحر أي ويعلمونهم ما أنزل على الملكين وقيل هو عطف على ما تتلوا أي واتبعوا ما أنزل (هاروت وماروت) عطف بيان للملكين علمان لهما والذي أنزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه ولئلا يغتر به كان مؤمنا: عرفت الشر لا للشر * لكن لتوقيه كما ابتلى قوم طالوت بالنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى - وقرأ الحسن على الملكين بكسر اللام على أن المنزل عليهما علم السحر كانا ملكين ببابل وما يعلم الملكان أحدا حتى ينبهاه وينصحاه ويقولا له (إنما نحن فتنة) أي ابتلاء واختبار من الله (فلا تكفر) فلا تتعلم معتقدا أنه حق فتكفر (فيتعلمون) ضمير لما دل عليه من أحد أي فيتعلم الناس من الملكين (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) أي علم السحر الذي يكون سببا في التفريق بين الزوجين من حيلة وتمويه كالنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز والخلاف ابتلاء منه لا أن السحر له أثر في نفسه بدليل قوله تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) لأنه ربما أحدث الله عنده فعلا من أفعاله وربما لم يحدث (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) لأنهم يقصدون به الشر وفيه أن اجتنابه أصلح كتعلم الفلسفة التي لا يؤمن أن تجر إلى الغواية ولقد علم هؤلاء اليهود أن من اشتراه أي استبدل ما تتلوا الشياطين من كتاب الله (ما له في الآخرة من خلاق) من نصيب (ولبئس ما شروا به أنفسهم) أي باعوها وقرأ الحسن الشياطون وعن بعض العرب بستان فلان حوله بساتون وقد ذكر وجهه فيما بعد وقرأ الزهري هاروت وماروت بالرفع على هما هاروت وماروت وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف ولو كانا من الهرت والمرت وهو الكسر كما زعم بعضهم لانصرفا وقرأ طلحة وما يعلمان من أعلم وقرئ بين المرء بضم الميم وكسرها مع الهمز والمر بالتشديد على تقدير التخفيف والوقف كقولهم فرج وإجراء الوصل مجرى الوقف. وقرأ الأعمش وما هم
(٣٠١)
مفاتيح البحث: بابل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»