الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٩٤
بالإثم والعدوان، وإن يأتوكم أسارى تفدوهم وهو محرم عليكم إخراجهم، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون.
أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون. ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس، أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم؟
____________________
بيان لقوله ثم أنتم هؤلاء موصول بمعنى الذي. وقرئ تظاهرون بحذف التاء وإدغامها وتتظاهرون بإثباتها وتظهرون بمعنى تتظاهرون: أي تتعاونون عليهم. وقرئ تفدوهم وتفادوهم وأسرى وأسارى (وهو) ضمير الشأن، ويجوز أن يكون مبهما تفسيره (إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب) أي بالفداء (وتكفرون ببعض) أي بالقتال والإجلاء. وذلك أن قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير كانوا حلفاء الخزرج، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه، ولذا غلبوا خرجوا ديارهم وأخرجوهم، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدونه فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم فيقولون أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحيي أن نذل حلفاءنا. والخزي قتل بني قريظة وأسرهم وإجلاء بنى النضير، وقيل الجزية، وإنما رد من فعل منهم ذلك إلى أشد العذاب لأن عصيانه أشد، وقرئ يردون ويعملون بالياء والتاء (فلا يخفف عنهم) عذاب الدنيا بنقصان الجزية ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم وكذلك عذاب الآخرة (الكتاب) التوراة آتاه إياها جملة واحدة ويقال قفاه إذا اتبعه من القفا نحو ذنبه من الذنب، وقفاه به أتبعه إياه. يعنى وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل كقوله تعالى - ثم أرسلنا رسلنا تترى - وهم يوشع واشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم، وقيل (عيسى) بالسريانية يشوع، و (مريم) بمعنى الخادم، وقيل المريم بالعربية من النساء كالزير من الرجال وبه فسر قوله رؤبة * قلت لزير لم تصله مريمه * ووزن مريم عند النحويين مفعل لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية كما ثبت نحو عثير وعليب (البينات) المعجزات الواضحات والحجج كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات، وقرئ وآيدناه، ومنه آجده بالجيم إذا قواه، يقال الحمد لله الذي آجدني بعد ضعف وأوجدني بعد فقر (بروح القدس) بالروح المقدسة كما تقول:
حاتم الجود ورجل صدق. ووصفها بالقدس كما قال وروح منه فوصفه بالاختصاص والتقريب للكرامة، وقيل لأنه لم تضعه الأصلاب ولا أرحام طوامث، وقيل بجبريل، وقيل بالإنجيل كما قال في القرآن - وروحا من أمرنا - وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيى الموتى بذكره، والمعنى: ولقد آتينا يا بني إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم (أفكلما جاءكم رسول) منهم بالحق (استكبرتم) عن الإيمان به فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجيب من شأنهم، ويجوز أن يريد: ولقد آتيناهم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم ثم وبخهم على ذلك، ودخول الفاء لعطفه على
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»