مما لا شبهة فيه عند أهل اللغة، وقد يستعمل على سبيل المجاز. وأما في الآية فالمراد به المعنى المجازى الذي هو آفة في الإدراك كسوء الاعتقاد والكفر، أو الهيئة الباعثة على ارتكاب الرذائل كالغل والحسد والبغض، أو المانعة عن اكتساب الفضائل كالضعف والجبن والخور، فقوله أو يراد مرفوع عطفا على قوله والمراد ههنا الخ، وأما جعله منصوبا عطفا على أن يستعار فلا وجه له أصلا لأن هذا أيضا من قبيل الاستعارة، وإنما لم يقل أو من الضعف كما يقتضيه أسلوب كلامه، بل ذكر الإرادة لطول الفعل، وأوردها بصيغة الفعل حطا لها عن إرادة الأولين، وصرح بالتداخل لأن ذلك قد حدث في قلوبهم بعد ظهور الإسلام وقوة المسلمين كما بينه. وقوله (لأن صدورهم) تعليل لثبوت الغل والحسد والبغضاء في قلوبهم المفهوم من معنى الكلام (والغل) الغش (والحنق) الغيظ ونصبهما على التمييز أظهر (ويبغضهونهم) معطوف على خبر أن بحسب المعنى كأنه قيل: لأنهم كانت صدورهم تغلى ويبغضهونهم (ويتحرقون) من حرق الأسنان: أي سحق بعضها ببعض حتى سمع لها صريف، وهو كناية عن شدة الغيظ لا من تحرق احترق، وإن اشتهر أن الحسد كالنار والحاسد في الاعتراق لأن استعماله يغلى يمنع هذا المعنى وحسد مفعول لأجله لاتمييز (قوله مما كان من ابن أبي) وهو " أن النبي صلى الله عليه وآله) أردف أسامة على حماره يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فمر على مجلس فيه عبد الله بن أبي قبل إسلامه وأخلاط من المسلمين والمشركين واليهود، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه برادئه وقال: لاتغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل ودعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله مقالة آذى بها رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل ودعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله مقالة آذى بها رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما دخل على سعد بن عبادة قال: يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو الحباب؟ يريد ابن أبي، فقال: يا رسول الله أعف عنه ". ومقصود المصنف من الإشارة إلى هذا القصة إثبات الحسد والبغضاء للمنافقين ببيان رسوخ السبب والمادة فيهم قبل إظهارهم الإسلام، فلا يقدح في ذلك اشتمالها على أن ابن أبي كان مجاهرا بالكفر، وعلى تصريح الرواة بأنها كانت قبل إسلامه، وحمل إشارته على قصة أخرى مستبعد جدا
(١٧٦)