الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٧٧
(قوله ولقد اصطلح) عطف على جواب القسم، وقيل حال فترك اللام أولى، والمراد بهذه البحيرة المدينة، يقال هذه بحيرتنا: أي أرضنا وبلدتنا، وأصل التركيب يدل على السعة (والعصابة) العمامة. عصبه: أي عممه، ولما كان العمائم تيجان العرب جعل التعصيب كناية عن التسويد. وقيل كانوا إذا أرادوا أن يملكوا رجلا توجوه، فإن لم يجدوا تاجا عصبوه بعصابة مرصعة بجواهر (قوله شرق بذلك) أي لم يقدر على إساغته والصبر عليه لتعاظمه، بل اعترض في حلقه كالماء المعترض في حلق الشارب، وقوله (لأن قلوبهم) علة لتداخل الضعف والجبن قلوبهم، كما أن قوله إما لقوة طمعهم وإما لجراءتهم علة كون قلوبهم قوية، وقد شبه الدولة في نفوذ أمرها وتمشيته بالريح وهبوبها فاستعيرت لها (فضعفت جبنا) أي ضعفت لأجله. واعلم أن قوله تعالى - في قلوبهم مرض - جملة مستأنفة لبيان موجب خداعهم وما هم فيه من النفاق (قوله ومعنى زيادة الله تعالى) دل كلامه على أن قوله تعالى - فزادهم - إخبار (قوله إسنادا) مصدر لمحذوف: أي فأسنده الله إلى نفسه إسنادا للفعل إلى المسبب له فهو إسناد مجازى سواء فسر المرض بالكفر أو الحسد والغل، أو الضعف والخور كما صرح به عبارته، وإن جاز إسناده المعنى الإخير إلى الله تعالى حقيقة على راية أيضا، والزيادة تستعمل لازما ومتعديا، والمشهور في الازدياد اللزوم، لكن قوله ما ازدادوه يدل على أنه قد تعدى إلى مفعول واحد، وعلى هذا فالأنسب أن يكون المنصوب في قوله: فازدادوا كفرا، وازدادوا حسدا، وازدادت قلوبهم ضعفا مفعولا، وإن جعل تمييزا كان فاعلا في الحقيقة للازدياد اللازم (قوله ويحتمل أن يراد بزيادة المرض الطبع) أي الختم فلا يراد بها ازديادهم في تلك الأمراض كما مر في الوجه الأول، بل يراد أن الله تعالى طبع على قلوبهم وختم عليها، فلا يدخل عليها ما يزيل عنه تلك الأمراض، فزيادة المرض تكون مجازا عن الطبع والإسناد إلى الله تعالى، كما في - ختم الله - وتنكير مرضا على الوجهين لكونه مغايرا للأول ضرورة أن المزيد يغاير المزيد عليه، ولك أن تقول: المراد بالمرض الثاني هو الطبع: أي زادهم الله طبعا، وأن يحمل كلامه على إرادة هذا المعنى بتقدير مضاف: أي زيادة الطبع ولعل هذا أقرب (قوله وقرأ أبو عمرو) هذه القراءة ليست من المتواترة. قال ابن جنى: لا يجوز أن يكون مرض بالسكون تخفيف مرض، لأن
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»