الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٧٣
علمت فضل زيد نظرا إلى مآل المعنى، وأن المعلوم مضمون الخبر لا إلى أن المعنى هو ذلك بعينه، كيف وعلم النسبة يعدى في الاستعمال إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما. ولا يذهب عليك أن الجواب الثالث والرابع مبنيان على أن خادع بمعنى خدع، إذ لا خدع من الرسول صلى الله عليه وآله والمؤمنين كما تقدم، ولا مجال أيضا مع اتحاد اللفظ أن يكون الخدع من أحد الجانبين حقيقة ومن الآخر مجازا (قوله إلا أنه أخرج في زنة فاعلت) قال المصنف: ونظيره فلان يخاشى الله: أي يخشاه خشية عظيمة (والمباراة) المعارضة وأن يفعل مثل فعل صاحبه ليغلبه، وحينئذ الداعي الداعي إلى الفعل ويجئ أبلغ وأحكم. وإذا قرئ يخدعون توجه السؤال بأن خدعهم الله تعالى محال ويتأتى فيه الإجوبة الأربعة بلا خفاء، وجعل يخادعون بيانا ليقول أولى من جعله مستأنفا، لأنه إيضاح لما سبق وتصريح بأن قولهم كان مجرد خداع، وأيضا ليست المخادعة المخادعة أمرا مطلوبا لذاته فلا يكون الجواب به شافيا بل يحتاج إلى سؤال آخر كما ذكره (قوله وما رفقهم) أي نفعهم يقال ماء رفق ومرت رفق: أي سهل المطلب، وارتفقت به: انتفعت به واسترفقته فأرفقنى بكذا نفعني به (قوله عم كانوا يخادعون) أي عن أي غرض من الأغراض صدر خداعهم ولأى سبب كانوا يخدعون. والجواب أن لهم في ذلك أغراضا: دفع المضرة عن أنفسهم، وجذب المنفعة لها، وإيصال المضرة إلى المؤمنين (قوله يطرقون) يقال طرقه طروقا: أتاه ليلا، وطرقه الزمان بنوائبه: أصابه بها، والمنابذة: إظهار العداوة كأن كلا من المتعاديين المتظاهرين ينبذ إلى صاحبه ما في قلبه من العداوة أو ينبذ عهده إليه (قوله فلو أظهر) شرط حذف جوابه قد أصاب محزه من المبالغة، والضمير المستتر في الفعل لله تعالى، والبارز في عليهم إما للمؤمنين: أي لو أظهر الله نفاقهم على المؤمنين وهو أبلغ من أن يقال أظهر لهم لدلالته على ظهور مكشوف مستقل لا مدفع له، وإما للمنافقين: أي لو أطلع الله المؤمنين على نفاقهم بتضمين الإظهار معنى الاطلاع (قوله بخداعهم عنها) أي بصدور خداعهم عن تلك الأغراض كقوله يخادعونهم عن أغراض لهم على تضمين الخداع معنى الصدور، والمقصود الحقيقي بهذا السؤال طلب فائدة الخداع من الجانب الآخر، كما أن ما سبق كان طلبا لفائدة من جانب المنافقين، إلا أنه فرعه على بيان ما راموه من الأغراض
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»