الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٧٨
المفتوح لا يخفف إلا شاذا بخلاف المضموم والمكسور بل يجب أن يكون لغة أخرى فيه (قوله تحية بينهم) وصدر البيت * وخيل قد دلفت لها بخيل * وأراد بالخيل الفرسان يقال دلف الكتيبة تقدمها، ودلف الشيخ إذا قارب الخطو، وكلا المعنيين حسن ههنا، والباء للتعدية (قوله وهذا على طريقة جد جده) أي على طريقة الإسناد المجازى، ولم يرد أنه من قبيل الإسناد إلى المصدر الذي أسند إليه ما لفاعله كما في المثال بعينه بل هو قريب منه كما ترى والذي هو من قبيله أمل أليم ووجع وجيع، وسينكشف لك أن الإسناد المجازى لا ينحصر فيما مر ذكره من مصدر الفعل ونظائره، وإنما اقتصر على ذكر المجاز العقلي ردا لما يقال أن الأليم بمعنى المؤلم كالسميع بمعنى المسمع فإنه ليس بثبت، وسيصرح بذلك في قوله تعالى - بديع السماوات - (قوله والألم في الحقيقة للمؤلم) على صيغة المفعول (قوله والمراد بكذبهم) أشار بذلك إلى أن لفظ ما مصدرية، وأما كلمة كان فللدلالة على الاستمرار في الأزمنة وقولهم أمنا إخبارا بإحداثهم الإيمان فيما مضى، ولو جعل إنشاء للإيمان كان متضمنا للإخبار بصدوره عنهم (قوله وفيه) أي وفى جعل عذابهم مسببا لكذبهم (رمز) أي إشارة خفية إلى قبح الكذب حيث خص بالذكر من بين جهات استحقاقهم إياه مع كثرتها، وفيه تخييل أن لحوق ذلك العذاب بهم إنما كان لأجل كذبهم نظرا إلى ظاهر العبارة المقتصرة على ذكره، واختار لفظ التخييل بناء على أن السامع يعلم أن ذلك اللحوق لجهات كثيرة، وأن الاقتصار على ما ذكره رمز إلى سماجته وتنفير عن ارتكابه (قوله والكذب الإخبار أي الإعلام بالشئ كزيد مثلا على خلاف ما هو متلبس به من ثبوت القيام له أو انتفائه عنه، أو الإعلام بالشئ الذي هو النسبة على خلاف الوجه الذي هي متلبسة به من كونها ثابتة أو منفية، ومباحث قبحه عقلا أو شرعا مستقصاة في موضعها (قوله ثلاث كذبات) هي قوله إني سقيم، وأراد به سأسقم، وقد علمه بأمارة من النجوم، أو إني سقيم الآن بسبب غيظي وحنقى من اتخاذكم آلهة، وقوله - بل فعله كبيرهم - المراد به أنه إذا لم يقدر على دفع المضرة عن نفسه وغيره فكيف يصلح إلها؟ أو أن تعظيمه كان هو الحامل له على كسرها. وقوله لمللك الشام إن سارة أختي، ومراده الأخوة في الدين، وقيل كذباته الثلاث قوله في الكواكب: هذا ربى ثلاث مرات، وقصد به الحكاية أو الفرض أو التقدير ليرشدهم إلى عدم صلاحية الإلهية، وسيأتيك تحقيق التعريض إن شاء الله تعالى، فهذه الإخبارات صادقة
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»