(قوله من المصالح التي لو أظهر عليهم لانقلبت مفاسد) من جملة تلك المصالح أن الستر عليهم يوهم المخالفين الكفار أنهم من أعوان المسلمين فيه فيحملون ذلك على أن يستشعروا الخوف ويجبونوا عن قتال المؤمنين لكثرة عددهم، ومنها أنهم إذا خاشنوا من يصحبهم ويظهر أنه منهم كان ذلك سببا لنفرة غيرهم عن الإسلام ومصاحبتهم. ومنها أن ملاينتهم وحسن معاشرتهم ربما أدت إلى استمالة قلوب جماعة أخرى تتقوى بهم كلمة الله العليا (قوهل ما المراد بقوله وما يخادعون) أي هلى أريد به المخادعة الأولى التمعلقة بالله والمؤمنين أو مخادعة أخرى. فأجاب أولا بأنه يجوز أن يراد به الأولى وإشار إلى تطبيقه على الوجه الأول من الوجو الأربعة المذكورة هناك. وتلخيصه أن المخادعة مستعارة للمعاملة الجارية فيما بينهم وبين الله تعالى والمؤمنين المشبهة بمعاملة المتخادعين، فقصرت هذه المعاملة ههنا على أنفسهم بعد تعليقها بما علقت به سابقا بناء على أن ضررها عائد إليهم لايعدوهم ونظيره (فلان يضار فلانا وما يضار إلا نفسه) ومثل هذا الاستعمال شائع في اللغات كلها جار في باب المفاعلة وغيهرا، فتكون العبارة الدالة على حصر تلك المعاملة مجازا أو كناية عن انحصار ضررها فهيم، أو يجعل لفظ الخداع المستعار مجازا مرسلا عن ضرره في المرتبة الثانية. ويمكن أن يقال: لما انحصرت نتيجة تلك المعاملة فيهم جاز أن يدعى أن نفس تلك المعاملة مقصورة عليهم، ويكون حينئذ انحصار ضررها فيهم مفهوما تبعا لا قصدا، فلا حاجة إلى تجوز أو كناية، ولعل في قوله (أي دائرة الضرار راعجة إليه وغير متخطية إياه) نوع إشارة إلى ما ذكرناه، ولك أن تطبقه على الوجوه الثلاثة الباقية. وثانيا بأنه يجوز أن يراد به مخادعة أخرى، إما جارية فيما يبن اثنين، أو مقصترة على واحد.
فالأولى أن يراد به المخادعة الحقيقة الجارية فيما بينهم وبين أنفهسم، فإنهم في ذلك: أي في خداعهم لله والمؤمنين على تلك الوجوه الأربعة يخدعون أنفسهم، فيمنونها الأباطيل والأكاذيب من أنه سيتفرع على هذا الخداع أمور مهمة وأغراض مطلوبة وهى تنخدع بذلك وتطمئن، وكذلك أنفسهم تخدعهم حيث تمنيهم وتحدثهم بالأمانى والأطماع الفارغة. ومن البين أن حقيقة المخادعة تقتضى فاعلين مختارين يقصد كل كل منهما إصابة الآخر بمكروه، فلا تتصور هذه الحقيقة بين المنافقين وأنفسهم سواء أريد هبا ذواتهم أو دواعيهم، ومن ثمة قيل: يريد بذلك إن الإبهام يعتبر في هذا المعنى ولا يكون لفظ الخداع مجازا عن ضرره كما مر. والثانية أن يراد بالمخادعة الخدع فلا يحتاج حينئذ إلى اعتبار الخدع من جانب الأنفس. والقول بأن الأولى مبنية على التجريد من الجانبين والثانية عليه