الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٧١
جاز أن ينخدعوا بما رأوا منهم من غير أن يرجع إليهم في ذلك نقصان لم يجز أن يقصدوا خدعهم، فإنه غير مستحسن بل مستهجن يذم به (قوله واستمطروا) أي استسقطوا واطلبوا العطاء، وتمام البيت:
* إن الكريم إذا خادعته انخدعا * وقد يروى بالفاء هكذا:
لاخير في الخب لا ترجى نوافله * فاستمطروا من قريش كل منخدع تخال فيه إذا خاتلته بلها * عن ماله وهو وافى العقل والورع وفى هذه الرواية دلالة واضحة على أن الخداع الذي يمدح به هو التخادع، أعني إظهار الانخداع تكرما لا ما ينشأ من البله وسذاجة الصدر فإنه منقصة. ومن ثم قيل في حق الفاروق رضي الله عنه: كان أعقل من أن يخدع وأورع من أن يخدع. وفى الرواية الأولى دلالة على ذلك لكن مع دقة وخفاء. وصدر قول ذي الرمة:
* تلك الفتاة التي علقتها عرضا * يقال علق بالمرأة أي أحبها، وكذا علقها على صيغة المبنى للمفعول، ومعنى عرضا: من غير قصدا وروية بل بانخداع كما هو دأب الحليم والمسلم، ويختلب: أي يخدع. والوجه في تعليل محبة العشيقة بالحلم والإسلام أنهما يدلان على رقة القلب التي بها يتأثر البال من الجمال سريعا، وقد أدمج في ذا اتصافه بهدين الوصفين (قوله يتظاهرون بالإيمان) أي يظهرونه مع إبطال الكفر، فهذا فعل صادر عنهم بالقياس إلى الله تعالى والمؤمنين، شبه الخدع بحسب الصورة، وكذا الحال في صنع الله والمؤمنين معهم. والحاصل أن بينهم من الجانبين معاملة شبيهة بالمخادعة، فقوله يخادعون استعارة تبعية، وليس في هذا الجواب اعتبار هيئة مركبة من الجانبين وما يجرى بينهما بهيئة أخرى مركبة من الخداع والمخدوع والخدع ليحمل الكلام على
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»