كلمتي ألا، وإن من تأكيد الحكم وتحقيقه. وقوله لا يشعرون لدلالته على أن كونهم مفسدين قد ظهر ظهور المحسوس لكن لأحسن لهم ليدركوه. وأما وجه المبالغة في تعريف الخبر وتوسيط الفصل فقد قيل الأول يفيد حصر المسند إليه على المسند، والثاني يفيد تأكيد هذا الحصر، وهذا وإن كان مناسبا لرد دعواهم الكاذبة، فإنهم لما قصروا أنفسهم على الإصلاح قصر إفراد ناسب في ردهم أن يقصروا على الإفساد قصر قلب: أي هم مقصورون على الإفساد لاحظ لهم في الإصلاح، لكن يرد عليه أن تعريف الخبر بلام الجنس يفيد حصره في المبتدأ كما هو المذكور في المفتاح والمشهور في الاستعمال، وإن ضمير الفصل يفيد هذا الحصر أيضا أو يؤكده. وقد أجيب بما يدل عليه كلامه في الفائق من أن تعريف المسند يفيد حصر المسند إليه فيه حيث قال: معنى إن الله تعالى هو الدهر هو الجالب للحوادث لا غير الجالب، كما أشرنا إليه فيما سبق، فيكون الفصل حينئذ مؤكدا لهذا الحصر ولا يخفى عليك ضعفه، وقيل المبالغة في تعريف المفسدين على قياس ما مر في المفلحين: أي إن حصلت صفة المفسدين وتحققوا ما هم وتصورا بصورتهم الحقيقية، فالمنافقون هم هم لا يعدون تلك الحقيقة، فيكون الفصل مؤكد لنسبة الاتحاد الذي هو أقوى من القصر في إفادة المقصود (قوله أتوهم في النصيحة) أي المؤمنون نصحوا المنافقين أولا بترك الرذائل، وثانيا باكتساب الفضائل، فدل هذا الكلام على أن القائل الآمر بالإيمان هم المؤمنون لابعض المنافقين لبعض فيما بينهم كما ذكر في بعض كتب التفاسير، وحينئذ يجب أن يحمل قولهم - أنؤمن كما آمن السفهاء - على أنه كان مقولا فيما بينهم لامقولا في وجوه المؤمنين كيلا يلزم كونهم مجاهرين بالكفر لا منافقين، وإن كان قوله فكان من جوابهم أن سفهوهم: أي نسبوهم إلى السفاهة، وجهلوهم: أي نسبوهم إلى الجهل لما في السفه من الجهل يوهم أنه كان في مواجهتهم (قوله أن يسند قيل إلى لا تفسدوا وآمنوا) يريد أنه مسند إليهما لا إلى ضمير مصدره إذ لا طائل تحته، ولا إلى الظرف: أعني لهم لأن القول متعد مفعوله المقول، فإذا وجد في الكلام أسند الفعل إليه وأطلق الفعل على الجملة الفعلية التي فاعلها مضمر اعتبارا للجزء الأول، مع أن الجملة مطلقا تشارك الفعل في عدم صحة الإسناد إليه لأنه من خواص الاسم اتفاقا. والجواب أن الذي يمتنع هو إسناد الفعل إلى معنى الفعل بمعنى إذا كان معبرا عنه بمجرد لفظه على قياس إسناده إلى معنى الاسم معبرا عنه بلفظه وحده في مثل قام زيد، وهذا الذي نحن فيه، فيه إسناد للفعل إلى لفظ الفعل بل الجملة كأنه قيل وإذا قيل هذا القول وهذا الكلام، وتحقيقه ما مر من أن الألفاظ سواء كانت مهملة أو مستعملة مفردة أو مركبة متساوية الأقدام في صحة الإسناد إلى
(١٨١)