الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٧٩
لكنها في صورة الكذب فسميت كذبات (قوله هو مبالغة في كذب) أي هو يدل على قوة الكذب وعظمه، كما أن بين يدل على كمال ظهور الشئ واتضاحه، وقلص يدل على شدة قلوص الثوب وانضمام بعضه إلى بعض، فكأنه قيل يكذبون كذبا عظيما (قوله أو بمعنى الكثرة) عطف على مبالغة: أي أو من كذب الذي هو بمعنى الكثرة في الفاعل، وأما كذب الوحشي فهو مجاز مأخوذ من كذب الذي بمعنى التعدية، كأنه يكذب رأيه وظنه فيقف لينظر ما وراءه، ولما كثر استعماله في هذا المعنى وكان حال المنافق شبيهة به جاز أن يستعار لها وإن كان ما تقدم أولى، والمذبذب: المتردد بين أمرين، وعار: ذهب في الأرض، والعائرة: الناقة تخرج من الإبل إلى أخرى لضربها الفحل (قوله بين الغنمين) أي القطيعين) أي القطيعين (قوله والأول أوجه) وذلك لقربه وإفادته تسبب الفساد للعذاب فيدل على قبحه ووجوب الاحتراز عنه كالكذب، ولخلوه عن تخلل البيان أو الاستئناف وما يتعلق به بين أجزاء الصلة، وقد يرجح الثاني بكون الآيات حينئذ على نمط تعديد قبائحهم وإفادتها اتصافهم بكل من تلك الأوصاف استقلالا وقصدا، ودلالتها على أن لحوق العذاب الأليم بسبب كذبهم الذي هو أدنى أحوالهم في كفرهم ونفاقهم، فما ظنك بسائرها، وأما عطفه على الجملة الاسمية: أعني قوله - ومن الناس من يقول - فليس مما يعتد به، وإن توهم كونه أوفى بتأدية هذه المعاني وذلك بعدم دلالته على اندراج هذه الصفة وما بعدها في قصة المنافقين وبيان أحوالهم، إذ لا يحسن حينئذ عود الضمائر التي فيها إليهم كما تشهد بسلامة الفطرة لمن له أدنى دربة بأساليب الكلام (قوله والفساد في الأرض هيج الحروب) يقال هاج الشئ هيجا وهياجا وهيجانا: أي ثار، وهاجه غيره يتعدى ولا يتعدى، والمراد بقوله هيج الحروب هو اللازم لأن المتعدى إفساد لافساد، وقوله (لأن في ذلك فساد ما في الأرض) توجيه لإطلاق الفساد على هيج الحروب والفتن، وقد سميت حرب الفساد بذلك لأنهم مثلوا فيها أنواع المثل، فجدعوا الأنوف وصلموا الآذان إلى غير ذلك. ما يله: أي مال إليه وأحبه، ومالأه: أي عاونه (قوله وكان فساد المنافقين) أي الفساد الناشئ من جهتهم لإفسادتهم في أنفسهم، والأولى أن يقول إفسادهم لأن مما يلتهم إلى الكفار وممالأتهم بإفشاء الأسرار إفساد. ولما كان حقيقة الإفساد جعل الشئ فاسدا ولم يكن صنعهم
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»