الخلاف أي ليس الامر على ما يتوهم. وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى. فإذا أثبت انه اقسم، فلا ينافي قوله (وهذا البلد الأمين) لان هذا قسم آخر مثله. وإنما يكون مناقضة لو أراد نفي القسم بقوله (لا اقسم) فأما إذا كان الامر على ما بيناه فلا تنافي بينهما. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: يعني بالبلد مكة.
وقوله (وأنت حل بهذا البلد) فمعناه في قول ابن عباس أنه حلال لك به قتل من رأيت حين أمر بالقتال، فقتل ابن حنظل صبرا، وهو آخذ بأستار الكعبة ولم يحل لاحد بعده. وبه قال مجاهد وابن زيد والضحاك. وقال عطاء: لم يحل إلا لنبيكم ساعة من النهار. وقال الحسن: معناه وأنت فيه محسن وأنا عنك راض.
وقيل: معناه أنت حل بهذا البلد أي أنت فيه مقيم، وهو محلل. والمعنى بذلك التنبيه على شرف البلد بشرف من حل فيه من الرسول الداعي إلى تعظيم الله وإخلاص عبادته المبشر بالثواب والمنذر بالعقاب، ويقال: رجل حل أي حلال وقالوا: حل معناه حال. أي ساكن.
وقوله (ووالد وما ولد) قسم آخر بالوالد وما ولد، قال ابن عباس وعكرمة:
المعني بذلك كل والد وما ولد يعني العاقل. وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وسفيان وأبو صالح: يعني آدم وولده. وقال أبو عمران الحوبي: يعني به إبراهيم عليه السلام وولده.
وقوله (لقد خلقنا الانسان في كبد) جواب القسم، ومعنى كبد قال ابن عباس والحسن: في شدة. وقال قتادة: معناه يكابد الدنيا والآخرة. قال مجاهد وأبو صالح وإبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد: معناه في انتصاب قامة، فكأنه في شدة قوام مخصوص بذلك من سائر الحيوان، قال لبيد: