ثم نبهه تعالى على وجوه النعمة التي أنعم بها عليه ليستدل بها على توحيده وخلع الأنداد دونه بقوله (ألم نجعل له عينين) ليبصر بهما (ولسانا وشفتين) لينطق بهما (وهديناه النجدين) ليستدل بهما. وفي ذلك دليل واضح على أنه صادر من مختار لهذه الأفعال التي فعلها بهذه الوجوه، فأحكمها لهذه الأمور، فالمحكم المتقن لا يكون إلا من عالم، وتعليقه بالمعاني لا يكون إلا من مختار، لأنه لا يعلق الفعل بالمعاني إلا في الإرادة. وقال ابن مسعود: وابن عباس: معنى هديناه النجدين: نجد الخير والشر، وبه قال الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة، وفي رواية عن ابن عباس أنهما الثديان، والنجدان الطريقان للخير والشر. وأصل النجد للعلو ونجد بلد سمي نجد العلوة عن انجفاض تهامة، وكل عال من الأرض نجد، والجمع نجود، ورجل نجد بين النجدة إذا كان جلدا قويا، لاستعلائه على قوته، واستنجدت فلانا فانجدني أي استعنته على خصمي فأعانني، والنجد الكرب والغم، والنجاد ما على العاتق من حمالة السيف، وشبه طريق الخير والشر بالطريقين العاليين لظهوره فيهما.
قوله تعالى:
فلا اقتحم العقبة (11) وما أدريك ما العقبة (12) فك رقبة (13) أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) يتيما ذا مقربة (15) أو مسكينا ذا متربة (16) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17) أولئك أصحاب الميمنة (18) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة (19) عليهم نار مؤصدة) (20) عشر آيات.