فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥١٩
الحق في قلب واحد أبدا، (وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مع القدرة وغلبة ظن سلامة العافية (حرمت) فكسر (بركة الوحي) يعني فهم القرآن، وقد شرط الله الإنابة في الفهم والتذكير * (إنما يتذكر أولو الألباب) * ذكره الغزالي عن الفضيل. وذلك لأن في ترك الأمر والنهي خذلان الحق وجفوة الدين وفي خذلان الحق ذهاب البصيرة وفي جفاء الدين فقد النور فيحجب القلب فيحرم بركته وحرمان بركته أن يقرأه فلا يفهم أسراره ولا يذوق حلاوته وهو من أعلم الناس العلوم العربية وأبصرهم بتفسيره وقد عمي عن زواجره وقوع وعده ووعيده وأمثاله (وإذا تسابت أمتي) أي شتم بعضها بعضا (سقطت من عين الله) أي حط قدرها وحقر أمرها. يقال هذا الفعل مسقط للإنسان من أعين الناس. وذلك لأن السباب بدؤه الكبر واحتقار الناس والحسد والبغي والتنافس في الدنيا وهو مسقط من عين الله. ومن سقط من عينه خرج من كلاءته ورعايته ومن زالت عنه رعايته ذهبت عصمته فله في كل نائبة ورطة حتى تؤديه إلى الورطة الكبرى: سلب الدين والانتكاص على عقبيه.
ومن سقط من عينه لم يبال في أي واد هلك وأي شيطان سباه. هذا في السباب فكيف بما فوقه؟
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معضلا من حديث الفضيل.
761 - (إذا علم العالم فلم يعمل) بعلمه (كان كالمصباح) من جهة أنه (يضئ للناس ويحرق نفسه) بضم التحتية أوله: من أحرق: يعني أن صلاح غيره في هلاكه كالدهن الذي يستصبح به. وهذا مثل بديع ضربه لمن يعمل بعلمه ولا يرى أحسن ولا ألطف ولا أوجز للمتأمل من كلام النبوة وبدائع آدابه. قال الجنيد: العلم مأمور باستعماله، فإذا لم تستعمله حالا أهلكك مآلا. وقال: في الدنيا طغيانان: طغيان العلم، وطغيان المال فالمنجي من طغيان العلم العمل ومن طغيان المال الزهد. وقال الراغب من أصاب علما فانتفع به ونفع غيره من مستحقه كان كالشمس تضئ لغيرها وهي لهذا اشرف المنازل ثم بعده من استفاد علما فاستبصر به علمه لغيره ولم ينتفع هو به فهو كالدفتر يفيد غيره الحكمة وهو عادمها، وكالمغزل يكسو غيره ولا يكتسي، وكذبالة المصباح تضئ للناس وهي تحترق (ابن قانع) عبد الباقي (في المعجم) معجم الصحابة (عن سليك) بن عمرو وقيل ابن هدية (الغطفاني) نسبة إلى غطفان.
762 - (إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه) أي فليحكمه (فإنه) أي الإتقان المفهوم من يتقن (مما) أي الشئ الذي (يسلي) بضم الياء بضبط المؤلف من التسلية وهي تخفيف ما في النفس من الحزن (بنفس) بزيادة الباء للتأكيد (المصاب) أي يزيل عنه ما يجده من شدة الحزن، وأصل السلو: التسلي، فيقال
(٥١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة