فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٢٢
767 - (إذا غربت الشمس) في كل يوم (فكفوا صبيانكم) أي أطفالكم عن الانتشار في الدخول والخروج (فإنها ساعة ينشر فيها الشيطان) لامه للجنس بدليل رواية الشياطين، وليس فيه ذكر نهاية الكف، وذكره في حديث آخر بقوله: حتى تذهب فوعة العشاء. وإنما أمر بكفهم في ذلك الوقت لأن الشمس سلطان قاهر فلا تقاومها الأرواح المارجية، بل تمسك عن التصرفات ما دام ظاهرا في العالم السفلي، فإذا استتر عنه في مغيبه صارت الشياطين كأنهم قد انطلقوا من حبس، فتندفع دفعة رجل واحد، فمهما صادفوه من الصبيان في تلك الحالة أصابوه فآذوه، فإذا ذهبت فوعة العشاء تفرقوا وتبددوا، فهذا سر أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك (طب عن ابن عباس) رمز لحسنه 768 - (إذا غضب أحدكم) لشئ نابه (فليسكت) عن النطق بغير الذكر المشروع، لأن الغضب يصدر عنه من قبيح القول ما يوجب الندم عليه عند سكون سورة الغضب: ولأن الانفعال ما دام موجودا فنار الغضب تتأجج وتتزايد، فإذا سكت أخذت في الهدوء والخمود، وإن انضم إلى السكوت الوضوء كان أولى، فليس شئ يطفئ النار كالماء (حم عن ابن عباس) زاد في الأصل وحسن 769 - (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس) ندبا (فإن ذهب عنه الغضب) فذاك (وإلا) بأن استمر (فليضطجع) على جنبه لأن القائم متهئ للانتقام، والجالس دونه، والمضطجع دونهما.
والقصد أن يبتعد عن هيئة الوثوب والمبادرة للبطش ما أمكن حسما لمادة المبادرة. وحمل الطيبي (قوله وحمل: بفتح الحاء وسكون الميم مبتدأ) الاضطجاع هنا على التواضع والخفض، لأن الغضب منشؤه الكبر والترفع: صرف (قوله صرف: خبر المبتدأ الماء، وهو حمل اه‍.) للفظ عن ظاهره بلا ضرورة. قال ابن العربي: والغضب يهيج الأعضاء اللسان أولا ودواؤه السكوت. والجوارح بالاستطالة ثانيا ودواؤه الاضطجاع. وهذا إذا لم يكن الغضب لله، وإلا فهو من الدين، وقوة النفس في الحق: فبالغضب قوتل الكفار وأقيمت الحدود وذهبت الرحمة عن أعداء الله من القلوب وذلك يوجب أن يكون القلب عاقدا والبدن عاملا بمقتضى الشرع. وفي الحديث وما قبله أن الغضبان مكلف. لأنه كلفه بما يسكنه من القول والفعل، وهذا عين تكليفه بقطع الغضب. وما نقل عن الفضيل وغيره أن من كان سبب غضبه مباحا كالسفر، أو طاعة كالصوم فغير مكلف بما يصدر عنه: فمؤول (حم د حب) من رواية أبي الأسود (عن أبي ذر) قال كان أبو ذر يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد، ثم
(٥٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة