فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٩
حرف الهمزة أي هذا باب الأحاديث المبدوءة بحرف الهمزة، وابتدأه بحرف الهمزة مع الألف وجعل مطلعه حديث إتيان باب الجنة إشارة إلى أن الغاية المطلوبة من تأليفه هذا الكتاب التقرب إلى الله الموصل إلى الفوز بإتيان باب الجنة تفاؤلا بكون أول ما يقرع الأسماع منه ذكر الجنة وإتيانها ولأن جميع ما يأتي بعده في أحكام العبادة ومتعلقاتها ودخول الجنة أفضل من جميع العبادات كما أفتى به السبكي أي أشرف وأرفع. ووجهه الولي العراقي بأن ثواب الله تعالى أشرف من أفعالنا فقال: (آتي) بالمد (باب الجنة) أي أجئ بعد الانصراف من الحشر للحساب إلى أعظم المنافذ التي يتوصل منها إلى دار الثواب وهو باب الرحمة أو هو باب التوبة كما في النوادر: فإن قلت هل لتعبيره بالإتيان دون المجئ من نكتة؟ قلت:
نعم وهي الإشارة إلى أن مجيئه يكون بصفة من ألبس خلع الرضوان فجاء على تمهل وأمان من غير نصب في الإتيان، إذ الإتيان كما قال الراغب مجئ بسهولة. قال: والمجئ أعم ففي إيثاره عليه مزية زهية. وفي الكشاف وغيره: إن أهل الجنة لا يذهب بهم إليها إلا راكبين فإذا كان هذا في آحاد المؤمنين فما بالك بإمام المرسلين؟ قال الراغب: والباب يقال لمدخل الشئ وأصله مداخل الأمكنة كباب الدار والمدينة ومنه يقال في العلم باب كذا وهذا العلم باب إلى كذا أي منه يتوصل إليه ومنه خبر: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " أي به يتوصل وقد يقال أبواب الجنة وأبواب جهنم للأسباب الموصلة إليها انتهى.
والجنة في الأصل المرة من الجن مصدر جنه ستره ومدار التركيب على ذلك سمي به الشجر المظلل لالتفاف أغصانه وسترها ما تحته ثم البستان لما فيه من الأشجار المتكاثفة المظللة ثم دار الثواب لما فيها من الجنان مع أن فيها ما لا يوصف من القصور لأنها مناط نعيمها ومعظم ملاذها. وقال الزمخشري:
الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاق العاملين لكل طبقة منهم جنة منها، قال ابن القيم: ولها سبعة عشر اسما وكثرة الأسماء آية شرف المسمى، أولها هذا اللفظ العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم، والبهجة، والسرور، وقرة العين، ثم دار السلام: أي السلامة من كل بلية، ودار الله، ودار الخلد، ودار الإقامة، وجنة المأوى، وجنة عدن، والفردوس وهو يطلق تارة على جميع الجنان وأخرى على أعلاها، وجنة النعيم، والمقام الأمين، ومقعد صدق، وقدم صدق، وغير ذلك مما ورد به القرآن، (يوم القيامة) فعالة تقحم فيها التاء للمبالغة والغلبة وهي قيام مستعظم والقيام هو الاستقلال بأعباء ثقيلة، ذكره الحراني (فأستفتح) السين للطلب وآثر التعبير بها إيماء إلى القطع بوقوع مدخولها وتحققه أي أطلب انفراجه
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة