فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٢٠
سلوت عن كذا، وسليت عنه، وتسليت: إذا زالت عنك محبته والمصاب من أصابته مصيبة الموت.
وأصل الحديث عند الطبراني وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دفن ابنه إبراهيم عليه السلام فرأى فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، ثم ذكره فالمراد بالعمل هنا تهيئة اللحد وإحكام السد، ومتعلقات الدفن، لكن الحديث وإن ورد على سبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (ابن سعد) في طبقاته (عن عطاء) الهلالي القاضي (مرسلا) هو تابعي كثير الإرسال، ويشهد له الحديث الآتي: إن الله يحب من العمل إلخ.
763 - (إذا عملت سيئة) أي عملا من حقه أن يسوءك (فأحدث) بقطع الهمزة وكسر الدال (عندها توبة) تجالسها بحيث يكون (السر بالسر والعلانية) أي الباطن بالباطن والظاهر بالظاهر، فإذا عصى ربه بسره تاب إليه بسره باكتساب ما يزيله، وإذا عصاه بجوارحه الظاهرة تاب إليه بها مع رعاية المقابلة وتحقق المشاكلة هذا هو الأنسب وليس المراد أن السرية لا يكفرها توبة جهرية وعكسه كما وهم. والسر ما كان في الخلاء، والعلانية ما كان في الملأ. والظاهر ما كان بالأركان، والباطن ما كان بالجنان فمن أخلص في توبته بحيث استوت سريرته علانيته خمدت شهوته وذبلت حركته وهاب الله في كل مكان واستحيا منه في كل زمان. ومن صدق في ذلك فقد استقام وارتفع إلى أعلا مقام، وإلا فتوبته لقلقة لسان وافتراء وبهتان (تنبيه) قال بعض العارفين: إذا عملت معصية بمحل فلا تبرح حتى تعمل فيه طاعة، فكما تشهد عليك تشهد لك، ثم تحول عنه لغيره لئلا تتذكر المعصية فتستحليها فتزيد ذنبا إلى ذنبك، وكذا ثوبك الذي عصيت فيه، ولا تحلق رأسك ولا تقص ظفرك إلا وأنت متطهر، فإن أجزاءك مسؤولة عنك كيف تركتك. (حم في) كتاب (الزهد) الكبير (عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة: الهلالي مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وصاحب مواعظ وعبادة. قال العراقي: وقيه انقطاع.
764 - (إذا عملت) يا أبا ذر القائل يا رسول الله أوصني (سيئة فأتبعها) بقطع الهمزة (حسنة تمحها) أي فإنها تذهبها. قال القاضي: صغار الذنوب مكفرات بما يتبعها من الحسنات. وكذا ما خفي من الكبائر لعموم قوله * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * وقوله عليه السلام " وأتبع السيئة الحسنة تمحها " أما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم فلا يسقط إلا بالتوبة. اه‍. وأقره الطيبي. قال الغزالي والأولى إتباعها بحسنة من جنسها لكي تضادها، قال: فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن ومجالس الذكر، والقعود في المسجد جنبا بالاعتكاف فيه. ومس المصحف بإكرامه وكثرة القراءة فيه، وبأن يكتب مصحفا ويقفه. وشرب الخمر بالتصديق بكل شراب حلال طيب، وقس عليه. والقصد سلوك طريق المضادة فإن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب بمعصية لا يمحوها إلا نور يرتفع إليه بحسنة تضاده. والمتضادات هي المتناسات، فإن البياض يزال بالسواد لا
(٥٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة