تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات إلى الحق حيث كان وتفقه في الدين وعود نفسك التصبر والجئ نفسك في الأمور كلها إلى آلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع غريز، وأخلص في المسألة لربك فان بيده العطاء والحرمان فأكثر الاستخارة، وتفهم وصيتي ولا تذهبن صفحا فان خير القول ما نفع.
وأعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم حتى لا يقال به، أي بني اني لما رأيتك قد بلغت سنا ورأيتني ازداد وهنا بادرت بوصيتي إياك خصالا منهن ان يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو انقص في رأيي كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شئ قبلته فبادرتك بالأدب قبل ان يقسو قلبك ويشغل لبك لتستقبل بحد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤنة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فآتيك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك منه مأربة الظلم علينا فيه.
أي بني واني وان لم أكن عمرت من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في اثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إلى من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى اخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضره فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق واجتمعت عليه من أدبك ان يكون ذلك وأنت مقبل بين ذي النقية والنية، وان أبدأك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه