تعرضت للفضيحة، ولم يناقشك بالجريمة ولم يؤيسك من الرحمة، ولم يشدد عليك في التوبة فجعل النزوع عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب والاستيناف فمتى شئت سمع نداك ونجواك، فأفضيت إليه بحاجتك وأنبأته عن ذات نفسك وشكوت إليه همومك، واستعنته على أمورك وناجيته بما تستخفي به من الخلق من سرك، ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه فالحح في المسألة يفتح لك باب الرحمة بما اذنك فيه من مسألته، فمتى شأت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه فالحح ولا يقنطنك ان أبطأت عنك الإجابة، فان العطية على قدر المسألة وربما أخرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة واجزل للعطية، وربما سألت شيئا فلم تؤته وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرف عنك لما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته، ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله أو يبقى عنك وباله، والمال لا يبقى لك ولا تبقى له، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم.
وأعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلى الآخرة فإنك طريد الموت الذي لا ينجو هاربه، ولا بد انه مدركك يوما فكن منه على حذر ان يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك. أي بني أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه ويقضي بعد الموت إليه وأجعله أمامك حتى يأتيك وقد أخذت حذرك لا يأخذك على غرتك، وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم فان ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك، وقد نبأك الله عنها ونعتت لك نفسها