وأعظم الناس عند الناس منزلة * وأبعد الناس من عيب ومن وهن!
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها * أن الخلافة فيكم يا بنى حسن إنا لنأمل أن ترتد الفتنا * بعد التدابر والبغضاء والإحن حتى يثاب على الاحسان محسننا * ويأمن الخائف المأخوذ بالدمن وتنقضي دولة أحكام قادتها * فينا كأحكام قوم عابدي وثن فطالما قد بروا بالجور أعظمنا * بري الصناع قداح النبع بالسفن.
فتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر، وتغيظ على ابن مصعب، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو وبأيمان البيعة إن هذا الشعر ليس له، وإنه لسديف، فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره، وما حلفت كاذبا ولا صادقا بالله قبل هذا، وإن الله عز وجل إذا مجده العبد في يمينه فقال: والله الطالب الغالب الرحمن الرحيم استحيا أن يعاقبه، فدعني أن أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل قال، فحلفه، قال: قل: برئت من حول الله وقوته، واعتصمت بحولي وقوتي، وتقلدت الحول والقوة من دون الله، استكبارا على الله واستعلاء عليه، واستغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر! فامتنع عبد الله من الحلف بذلك فغضب الرشيد، وقال للفضل بن الربيع يا عباسي ما له لا يحلف إن كان صادقا! هذا طيلساني على، وهذه ثيابي لو حلفني بهذه اليمين إنها لي لحلفت. فوكز الفضل عبد الله برجله و - كان له فيه هوى - وقال له احلف ويحك! فجعل يحلف بهذه اليمين، ووجهه متغير، وهو يرعد، فضرب يحيى بين كتفيه، وقال: يا بن مصعب، قطعت عمرك، لا تفلح بعدها أبدا!
قالوا فما برح من موضعه حتى عرض له أعراض الجذام، استدارت عيناه،