فإنه يروم منها مثل ما يروم من تلك، وأن يودعها خزانة محسوسة خارجة عن ذاته، لكنه يغلط في ذلك من حيث يستكثر منها، إلى أن يتنبه بالحكمة على ما ينبغي أن يقتنى منها، وإنما حرص على ما منع لان الانسان إنما يطلب ما ليس عنده، لان تحصيل الحاصل محال، والطلب إنما يتوجه إلى المعدوم، لا إلى الموجود، فإذا حصله سكن وعلم أنه قد ادخره، ومتى رجع إليه وحده إن كان مما يبقى بالذات، خزنه وتشوق إلى شئ آخر منه، ولا يزال كذلك إلى أن يعلم أن الجزئيات لا نهاية لها وما لا نهاية له، فلا مطمع في تحصيله، ولا فائدة في النزوع إليه، ولا وجه لطلبه سواء كان معلوما أو محسوسا، فوجب أن يقصد من المعلومات إلى الأهم ومن المقتنيات إلى ضرورات البدن ومقيماته، ويعدل عن الاستكثار منها، فإن حصولها كلها مع أنها لا نهاية لها غير ممكن، وكلما فضل عن الحاجة وقدر الكفاية فهو مادة الأحزان والهموم، وضروب المكاره. والغلط في هذا الباب كثير، وسبب ذلك طمع الانسان في الغنى من معدن الفقر، لان الفقر هو الحاجة، والغنى هو الاستقلال، إلى أن يحتاج إليه، ولذلك قيل: إن الله تعالى غنى مطلقا، لأنه غير محتاج البتة، فأما من كثرت قنياته فإنه يستكثر حاجاته بحسب كثرة قنياته، وعلى قدرها رغبة إلى الاستكثار بكثرة وجوه فقره و، قد بين ذلك في شرائع الأنبياء، وأخلاق الحكماء، فأما الشئ الرخيص الموجود كثيرا فإنما يرغب عنه، لأنه معلوم أنه إذا التمس وجد والغالي فإنما يقدر عليه في الأحيان ويصيبه الواحد بعد الواحد، وكل إنسان يتمنى أن يكون ذلك الواحد ليصيبه وليحصل له ما لا يحصل لغيره.
(٧٩)