وحكى الأصمعي عن بعضهم إنه خرج هو وصاحب له يسيران، فإذا غلام على الطريق، فقالا له: من أنت؟ قال: أنا مسكين قد قطع بي فقال أحدهما لصاحبه، أردفه خلفك، فأردفه، فالتفت الاخر إليه فرأى فمه يتأجج نارا، فشد عليه بالسيف فذهبت النار فرجع عنه، ثم التفت فرأى فمه يتأجج نارا فشد عليه فذهبت النار، ففعل ذلك مرار، فقال ذلك الغلام: قاتلكما الله ما أجلدكما! والله ما فعلتها بآدمي إلا وانخلع فؤاده، ثم غاب عنهما فلم يعلما خبره.
وقال أبو البلاد الطهوي - ويروى لتأبط شرا:
لهان على جهينة ما ألاقي * من الروعات يوم رحا بطان (1) لقيت الغول تسرى في ظلام * بسهب كالعباءة صحصحان (2) فقلت لها: كلانا نقض أرض * أخو سفر فخلى لي مكاني (3) فشدت شدة نحوي فأهوى * لها كفى بمصقول يماني فقالت: زد فقلت: رويد إني * على أمثالها ثبت الجنان.
والذين يروون هذا الشعر لتأبط شرا يروون أوله:
إلا من مبلغ فتيات جهم * بما لاقيت عند رحا بطان بأني قد لقيت الغول تلوى * بمرت كالصحيفة صحصحان فصدت فانتحيت لها بعضب * حسام غير مؤتشب يماني فقد سراتها والبرك منها * فخرت لليدين وللجران (4) فقالت: ثن قلت لها: رويدا * مكانك إنني ثبت الجنان