وقال أبو عثمان الجاحظ: وكانوا يسمون من يجاور منهم الناس عامرا، والجمع عمار، فإن تعرض للصبيان فهو روح، فإن خبث وتعرم فهو شيطان، فإن زاد على ذلك فهو مارد، فإن زاد على ذلك في القوة فهو عفريت، فإن طهر ولطف وصار خيرا كله فهو ملك، ويفاضلون بينهم، ويعتقدون مع كل شاعر شيطانا، ويسمونهم بأسماء مختلفة قال أبو عثمان وفي النهار ساعات يرى فيها الصغير كبيرا ويوجد لأوساط الفيافي والرمال والحرار مثل الدوي، وهو طبع ذلك الوقت، قال ذو الرمة:
إذا قال حادينا لترنيم نباه: صه لم يكن إلا دوي المسامع (1) وقال أبو عثمان أيضا في الذين يذكرون عزيف الجن وتغول الغيلان: إن أثر هذا الامر وابتداء هذا الخيال إن القوم لما نزلوا بلاد الوحش عملت فيهم الوحشة (2)، ومن انفرد وطال مقامه في البلاد الخلاء استوحش، ولا سيما مع قلة الاشغال وفقد المذاكرين، والوحدة لا تقطع أيامها إلا بالتمني والأفكار، وذلك أحد أسباب الوسواس (3).
* * * ومن عجائب اعتقادات العرب ومذاهبها اعتقادهم في الديك والغراب والحمامة وساق حر - وهو الهديل - والحية، فمنهم من يعتقد أن للجن بهذه الحيوانات تعلقات، ومنهم من يزعم أنها نوع من الجن، ويعتقدون أن سهيلا والزهرة الضب والذئب والضبع مسوخ، ومن أشعارهم في مراكب الجن قول بعضهم في قنفذ رآه ليلا، فما يعجب الجنان منك عدمتهم * وفى الأسد أفراس لهم ونجائب (4) أيسرج يربوع ويلجم قنفذ * لقد أعوزتكم ما علمت النجائب (5)!