(184) الأصل:
من لم ينجه الصبر، أهلكه الجزع.
* * * الشرح:
قد تقدم لنا قول شاف في الصبر والجزع.
وكان يقال: ما أحسن الصبر لولا أن النفقة عليه من العمر! أخذه شاعر فقال:
وإني لأدري أن في الصبر راحة * ولكن إنفاقي على الصبر من عمري وقال ابن أبي العلاء يستبطئ بعض الرؤساء:
فإن قيل لي صبرا فلا صبر للذي * غدا بيد الأيام تقتله صبرا وإن قيل لي عذرا فوالله ما أرى * لمن ملك الدنيا إذا لم يجد عذرا فإن قلت: أي فائدة في قوله (عليه السلام): " من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع "؟ وهل هذا إلا كقول من قال: " من لم يجد ما يأكل ضره (1) الجوع؟ ".
قلت: لو كانت الجهة واحدة، لكان الكلام عبثا، إلا أن الجهة مختلفة، لان معنى كلامه (عليه السلام) من لم يخلصه الصبر من هموم الدنيا وغمومها هلك من الله تعالى في الآخرة بما يستبدله من الصبر بالجزع، وذلك لأنه إذا لم يصبر فلا شك أنه يجزع، وكل جازع آثم والاثم مهلكة، فلما اختلفت الجهة وكانت تارة للدنيا وتارة للآخرة لم يكن الكلام عبثا بل كان مفيدا.